المصالح الخارجية وشبح وكيل الحروب في ليبيا حفتر، يلقيان بظلال ثقيلة على مؤتمر تونس

قبل أسبوعين من الملتقى الذي تعتزم الأمم المتحدة عقده في تونس مطلع نوفمبر المقبل، للخروج بتوليفة جديدة لمرحلة انتقالية تفضي إلى إجراء انتخابات شاملة والتأسيس لمرحلة دائمة، تتجه الأنظار إلى الجحور ومن يتربص داخلها، وإلى الألغام المدسوسة في طريق الحل كلما لاح في الأفق أمل.

ترتيبات البعثة الأممية لمرحلة ما بعد اتفاق الصخيرات، التي كانت ستتوج بالملتقى الوطني الجامع في غدامس في 16 أبريل في العام الماضي، والتي وأدها هجوم حفتر على طرابلس قبل نحو أسبوع من انعقاده، وبينما كان الأمين العام للأمم المتحدة في زيارة إلى العاصمة، تعود من جديد بترتيبات انطلقت منذ مطلع سبتمبر الماضي وتعتزم البعثة تتويجها بملتقى تونس.

ومقارنة بمسار غدامس 2019 الذي ركز خلاله المبعوث السابق غسان سلامة على ملتقيات محلية وقبلية في عشرات المدن والمناطق في ليبيا، وعلى امتداد نحو سنة من التحضير، فإن مسار وليامز الأخير لم يشهد حوارا داخليا، واقتصر على مشاورات متوازية في كل من مدينتي بوزنيقة المغربية ومونتيرو السويسرية، لحقتها لقاءات في القاهرة وتحركات في أنقرة وموسكو، وصفتها البعثة بالمفيدة طالما تدفع في الاتجاه نفسه وهو الخروج من خلال مؤتمر تونس بخارطة طريق لتأسيس مرحلة مستقرة في ليبيا.

المنظمة الأممية التي فشلت حتى الآن في تعيين مبعوث لها في ليبيا خلفا لغسان سلامة منذ نحو 7 أشهر وتنتهي ولاية نائبته ستيفاني ويليامز في 2 نوفمبر المقبل أي في قلب الحوار المزمع عقده في الفترة نفسها بتونس، تحاول رسم الخطوط الآمنة لإنجاح النسخة الثانية من ملتقى غدامس الموؤود، من خلال اشتراط عدم ترشح أي ممن سيشرفون على مرحلة التأسيس للانتخابات للمناصب السيادية في الدولة، لضمان عدم تقاطع المصالح والشفافية في تسليم الأمانة، لكن البعثة تعرف تماما خطة حكام ما بعد 2011 في لعبة تبادل الأدوار والمصالح، وهو الخطر الأكبر الذي يتهدد مسار السلام في البلاد.

وإن كان من غير المتوقع قطع الطريق على ملتقى تونس كالذي حدث لملتقى غدامس، إلا أن حفتر المتربص الأكبر بمثل تلك المسارات على امتداد السنوات الماضية، لن يكون المسار الأخير في مأمن من مكره طالما إصبعه على الزناد ولم ينتزع سلاحه، وما الخروقات المتعمدة التي قال المتحدث باسم الجيش العقيد محمد قنونو، إنها بلغت 7 وقائع حتى الآن كان آخرها استهداف منطقة بويرات الحسون على تخوم سرت، إلا مناورات استباقية وتذكير للداخل والخارج بأنه مستعد لإشعال جبهات جديدة في كل لحظة ما لم تجر الحوارات على هواه وتضمن مصالحه، وهناك مؤشرات كثيرة أخرى يطل من خلالها حفتر برأسه على مسار السلام مهددا بتدميره، وقد اعتاد فعل ذلك دون عقاب، ومنها عرقلة فتح مطار بنينا أمام الرحلات القادمة من الغرب، وتعطيل الانتخابات البلدية في أكثر من منطقة وقمع الاحتجاجات وملاحقة الناشطين واغتصاب الأراضي وترهيب المواطنين.

وفي المقابل تبدي العديد من الجهات في المنطقة الغربية، رفضها لمعادلة السلام بوجود حفتر وأعوانه قبل محاسبته على جرائمه السابقة وخاصة جريمة حرب طرابلس والمقابر الجماعية في ترهونة، وهو ما عبرت عنه فعاليات سياسية في الزنتان من خلال ملتقى طالبت خلاله بتفويض قوات بركان الغضب للمشاركة في الحوارات السياسية التي تجريها الأمم المتحدة، واتخاذ إجراءات ضد مجرمي الحرب على طرابلس وبقية المدن الليبية، وعدم إتاحة الفرصة لحفتر للعودة، مبدية رفضها لنقل الحكومة من طرابلس مهما كانت الأسباب.

وعلى وقع المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة واستياء أهالي المدينة من عدم اتخاذ أي إجراءات عملية لمحاسبة القتلة، اتهم المستشار بوزارة العدل بحكومة الوفاق خيري عبد العالي، المجلس الرئاسي بأنه لا يريد اتخاذ أي إجراء ضد الدول الداعمة لحفتر، وإضاعة التقارير المقدمة له والتي بلغت 4 تقارير تتعلق بجرائم حفتر وداعميه، وتقرير عن استهداف الكلية العسكرية وآخر عن المقابر الجماعية.

عضو المجلس الرئاسي عماري زايد الذي أعلن رفضه لاتفاق زميله أحمد معيتيق وممثلين عن حفتر بخصوص اتفاق فتح النفط، واعتباره المشاورات الأخيرة إضاعة للوقت، يسعى من جهته مع شخصيات ومكونات محلية أخرى لإجراء المزيد من الانتخابات البلدية والتأكيد على أن هذا المسار على المستوى التشريعي والرئاسي ممكن وهو الحل الأمثل للمرور مباشرة من حكومة الوفاق إلى حكومة جديدة تفرزها انتخابات وطنية دون الحاجة إلى مرحلة انتقالية جديدة.

من جهة أخرى تتعالى أصوات ليبية من أوساط حزبية ومكونات اجتماعية وشخصيات سياسية واعتبارية، رافضة لتمشي البعثة الأممية في اختيار المشاركين المفترضين في لقاء تونس، متهمة إياها بانتهاج التمشي نفسه في جهودها السابقة التي فشلت فيها، وعدم الوضوح في إعلان أسماء المدعوين والمعنيين صراحة، ونشر جدول الأعمال وضمانات تطبيق ما يتم الاتفاق عليه.

دوليا ورغم إبداء كل الأطراف دعمها لجهود الأمم المتحدة، إلا أنها لم تنفك تناوش مسارها وتحاول التشويش على مشاوراتها الأخيرة، فقد أكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيطالي تحضيراتهم لعقد اجتماع في جينيف يضم أطراف الأزمة الليبية، داعيا إلى ضرورة الإسراع في تعيين ممثل أممي خاص إلى ليبيا، ومتهما الولايات المتحدة بعرقلة هذا الملف، ورغم تأكيد موسكو أن هذا الاجتماع سيكون تحت رعاية الأمم المتحدة إلا أن ذلك لا يخفي محاولتها إثبات حضورها في التسويات المقبلة والضغط من أجل رؤية في ليبيا بملامح روسية.

وفي مثل هذه الأيام من عام 2017، شهدت العاصمة التونسية حوارا بين أعضاء لجنتين ممثّلتين لمجلسي النواب والأعلى للدولة، كادت تصل إلى اتفاقات جدية حول التعديلات المقترحة على اتفاق الصخيرات والاتجاه نحو إلغاء المادة الثامنة منه، وتركيبة المجلس الرئاسي، لولا تدخل المصالح الشخصية والمناطقية، وتفشل تلك المحاولة الواعدة في بناء السلام، وبعد 3 سنوات من الحروب واستحالة الحل العسكري، يعود الحوار مرة أخرى إلى تونس، بمعطيات مختلفة ولكن بجذور الأزمة نفسها.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
صحافي تونسي حاصل على باكالوريوس آداب ولغة عربية
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة