ماهو تأثير الانتخابات التركية على الأزمة الليبية؟

لم يبق الكثير من الوقت على انطلاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، هذه الانتخابات التي وصفت بالتاريخية، تعدّ أيضا مفصلية بالنسبة للأزمة الليبية.

العلاقة بين البلدين شهدت تحولا جوهرياً منذ إعلان البرلمان التركي موافقته على الاتفاقية الليبية التركية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، وكذلك مساعدة القوات النظامية الليبية في بناء مؤسسة عسكرية.

هذا القرار أسهم في طرد قوات “خليفة حفتر” التي أرادت السيطرة بالقوة على مقاليد السلطة في ليبيا في نهاية عام 2019، وأسهم كذلك في إحداث توازن في المشهد العسكري الليبي، فلم يشهد البلد اشتباكات مسلحة واسعة منذ ذلك التوجه التركي.

هذا التوازن فتح المجال لحوارات جديدة انطلقت في 2021 واستمرت بعد فشل الانتخابات التي قررتها حوارات جنيف إلى يومنا هذا.

أنقرة صارت لاعباً أساسياً في الأزمة الليبية، وقد توجهت الأطراف الليبية من الشرق والغرب إلى تركيا، حتى مجلس النواب وافق على تصور ترسيم الحدود الليبية التركية، وبعد أن فهم الجميع أهمية ذلك لليبيا توثقت العلاقات نسبياً بين تركيا والأطراف السياسية في الشرق لكن في حدود الاتفاقية الدولية وخطة البعثة الأممية، التي لم تقبل تركيا أي انحراف عنها، حتى بعد أن حاولت بعض الأطراف تأسيس مسار موازٍ من الممكن أن يعطل التحول نحو الاستقرار في ليبيا.

هذا التوجه التركي لم يغير المعادلة في ليبيا فحسب، بل جاء في سياق توجه تركي لإحداث توازن إقليمي كما حدث في سوريا، وصرح وزير الخارجية التركي في أحد لقاءاته أن إيجاد توجه إقليمي كالذي حدث في سوريا بين إيران وروسيا وتركيا من الممكن أن يتكرر في ليبيا.

هذا السيناريو سيتكرر في ليبيا لو استمرت التوجهات بين تركيا ومصر والجزائر.

هذه القوى الإقليمية هي التي ستوازن التدخلات الدولية، وكما حدث في ليبيا عام 2019 من الممكن أن تكون هناك ضمانات إقليمية تمنع الاقتتال الداخلي وتضبط التدخلات الدولية وهذا قد يسهم في استقرار منطقة شمال إفريقيا.

الانتخابات التركية إذا انتهت باستمرار رئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان فإن هذا التوجه سيستمر- كما نتوقع- وستسعى تركيا إلى إحداث مصالحات إقليمية متدرجة ومتوازنة يمكنها أن تضع حداً للتدخلات الخارجية السلبية، و قد يحدث هذا في السياق الليبي إذا وضعت رؤية متوازنة بين تركيا ومصر تمنع الانقسام بين الأطراف الليبية حين يولّي كل طرف وجهه نحو دولة من دول المنطقة.

لكن ما الذي يحدث إذا استطاعت المعارضة التركية الوصول للحكم.. في البداية لن يحدث الكثير لأن هذه التوجهات قد تحتاج بعض الوقت لتتغير، لكن حسب أدبيات المعارضة التي تنشرها لتوضيح رؤيتها فإنها ستكون متماهية تماماً مع التوجهات الغربية، وهذا يعني حسب فهمنا ضعف الدور الإقليمي المتمثل في الدور التركي الذي يتعزز بالتحالف مع دول الإقليم ـكمصرـ لصالح الدولي، وهكذا ستعود الأزمة الليبية لنقطة الصفر التي بدأت منها حين انقسمت القوى الغربية حول ليبيا فريق يدعم حفتر وفريق يدعم الحكومة الشرعية في الغرب.

التوازن العسكري سيختل تماماً إذا أصدر البرلمان الجديد قراراً بسحب القوات التركية، وستعود الشبكات التي تقودها بعض الدول لإطلاق حالة من النزاعات المستمرة التي لم تكن الحرب في السودان أول مؤشراتها.

روسيا ستجد ذلك فرصة خاصة إذا بدأت الحسابات العسكرية والسياسية تتغير بين الأطراف السياسية الليبية لزرع البذور لحروب طويلة في المنطقة.

ضعف القوة الإقليمية التركية يعني أن تعود المنطقة لنزاع المحاور، فلا ننسى أن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” استطاع أن يعزز علاقته مع كل دول المنطقة بما في ذلك الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر، وفي ظل المصالحة السعودية الإيرانية فإن تشكل نظام إقليمي متوازن بات مسألة وقت، لكن إذا خرجت تركيا من هذه المعادلة سيكون هناك ضعف حقيقي في النظام الإقليمي الناشئ.

ما لم تدركه المعارضة التركية بعد، هو أن قوة الإقليم لا تأتي بالتماهي مع الأطراف الدولية وإنما بالقدرة على بناء علاقات أفقية تعطي للمنطقة قدرتها على التأثير الاستراتيجي الذي يوازن التدخلات الدولية، أما أن تفقد دولة بحجم تركيا رؤيتها لصالح رؤى الدول الغربية فإن ذلك يلغي من المعادلة الطرف القوي الذي لا يمكن تصور استقرار في المنطقة دونه.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
استشاري نظم صحية وباحث للعديد من مراكز الدراسات مؤلف العديد من الكتب المنشورة سياسي وخبير في…
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة