ما الذي تريده مصر من ليبيا؟

كلنا يذكر الكلمات التي ذكرها الإعلامي المصري عمرو أديب في برنامجه عن ليبيا، فهو يرى أن الفرصة سانحة لمصر للتوجه نحو ليبيا، فالعالم مشغول بالحرب في أوكرانيا (واللي عاوز يعمل حاجه يعملها دي لوقتي)! هذا التصريح الذي لاقى استهجانا واسعاً من الرأي العام في ليبيا، يذكر بتصريحات سابقة لإعلاميين مصريين عن أن مصر لها حقوق في الحدود الشرقية في ليبيا، ورغبة التدخل في ليبيا لم يقلها الإعلام وحسب، بل إن تصريحات الرئيس السيسي في خطابه أمام بعض القبائل الليبية في 20 يونيو 2020 هدد بالتدخل العسكري في ليبيا، وأمر جنوده للاستعداد لأي أمر عسكري، ووضع خطوطاً حُمراً في ذلك؛ ما الذي تريده مصر من ليبيا.؟

للإجابة عن هذا السؤال دعنا نتذكر ما كتبه برنارد لويس المستشرق والمؤرخ المعروف في كتابه نهاية الشرق الأوسط أن المنطقة العربية لن تتقسم كما كان في السابق، بل ستبغي كل دولة كبيرة على الأخرى، فكما حدث بين سوريا ولبنان، والسعودية واليمن، والعراق والكويت، سيحدث ذلك مع مصر وليبيا، والجزائر وتونس، والمغرب وموريتانيا، ثقافة الشقيقة الكبرى هذه سترسم ملامح الجغرافيا السياسية للمرحلة القادمة حسب برنارد لويس.

لكن الأزمة الأوكرانية والتغيرات التي تحدث في العالم قد تفتح شهية بعض الدول لتكرار ما فعلته روسيا في أوكرانيا، هذا قد يحدث عسكرياً أو قد يحدث من خلال بعض الوكلاء في ليبيا.

مصر ديمغرافيا تريد التمدد، مصر اقتصادياً ترى في ليبيا امتداداً يمكن أن يعطيها براحاً ومتسعاً لامتداد اقتصادها بما يتوافق مع التغيرات السكانية التي تعيشها، مصر ترى أن بإمكانها إدارة ليبيا من تصدير نموذجها العسكري إليها بحيث يصبح القرار متسقا على النحو الذي عملته المخابرات المصرية مع القذافي بعد انقلاب عام 1969، مشروع مصر ليس امتداداً للإمارات بل هو جزء من محاولة لتصدير المشاكل المصرية إلى ليبيا، كل ذلك وغيره يجعل مصر تفكر جدياً في غزو ليبيا فما الذي يمنعها من فرض أمر واقع بعدها يمكن التفاوض مع العالم عليه، هذا السيناريو وإن كان البعض يراه مستبعداً لكن التجربة التاريخية لمصر في اليمن ليست بعيدة حين قرر جمال عبد الناصر غزو اليمن والسيطرة على جنوبها.

الأزمة الأوكرانية ألقت بكاهلها على مصر تحديداً في ثلاث قضايا أساسية، ارتفاع أسعار الطاقة، ارتفاع أسعار الغذاء، وأزمة الديمغرافيا والكثافة. في أزمة الطاقة ليبيا تبدو حلا سريعا وممكنا إذا ما استطاعت التحكم في إنتاج النفط في ليبيا والمساومة عليه، كما إنها من خلال إيجاد سلطات موالية لها في ليبيا أو حتى غزوها قد تقطع على تركيا الاتفاقية التي عملتها مع ليبيا في شرق المتوسط، وهكذا تتقارب مع إسرائيل ليكون لها نصيب الأسد في شرق المتوسط، التقارب المصري الإسرائيلي الظاهر و الحديث الذي ذكره السيد فتحي باشاغا عن الاتفاقية التركية الليبية بأنه سيعرضها على البرلمان، كلها مؤشرات تؤكد أن الرجل يعرف ما هو مطلوب منه بالضبط؛ وأنه يريد أن يكون رجل مصر في ليبيا.

ارتفاع أسعار الغذاء في مصر يؤشر إلى إمكانية حدوث أزمات سياسية كبيرة وربما موجة أخرى من الربيع العربي حسب المؤشر المعروف المقياس العربي Arab Barometer والذي تحدثت عنه مجلة الفورين أفيرز في عددها المعنون (الشرق الأوسط يتغير) وبين إمكانية أن يكون هناك اضطرابات كبيرة مع الزيادة المهولة في أسعار القمح خاصة وأن المنطقة تستورد 35٪ من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولاننسى أن مصر تعاني من شح المياه وجفافا في الأراضي الزراعية بعد أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.

أزمة الديمغرافيا من الواضح أن ليبيا أقل كثافة من مصر وهناك مساحات شاسعة يمكن أن يهاجر إليها المصريون، وأن الهرم المصري لايزال هرما سكانيا لدولة نامية فهناك عدد كبير من المواليد والأطفال إلى سن الرابعة ويشكلون 33.62 % من عدد السكان (18.112.550 من الذكور، 16.889.155 من الإناث)؛ وهذا رقم مهول يحتاج لسكن ومأوى وغذاء، والرئيس السيسي كان واضحاً في خطاباته من قلقه على قدرته على كبح جماح هذا الشارع المصري الذي لم يكف عن انتقاد الفساد الذي يخترق كافة المؤسسات المصرية، والأزمة الأوكرانية فاقمت من هذا الإشكال البنيوي في الدولة المصرية. القبائل المصرية من أصول ليبيا تسعى بوضوح للامتداد في ليبيا وهم بضع ملايين دون وجود إحصائيات موثوقة؛ هذه الأزمات الثلاث مع المشهد الرخو في ليبيا، واستعداد بعض الأطراف الليبية للتعاطي مع مصر بالمنطق الأيديولوجي القومي والتبرّج أمام المصريين، لفتح المجال لهم للتدخل السافر في الشؤون على نحو تصريحات خليفة حفتر المشهورة بأنه يفضل مصالح مصر على المصالح الليبية؛ كل ذلك لا يمكن ألا يترجم إلى رغبة أكيدة في التواجد في ليبيا عسكريا أو من خلال وكلاء يسيطرون على البلد.

الإشكال أن مصر ليس لديها ما تقدم لليبيا فهي دولة نامية ولا يمكنها أن تسهم في إحداث ثورة تنموية في ليبيا، لذا فإن مصر لن تسهم في بناء ليبيا، بل ستتشكل أزمة لا نعرف كيف ستنتهي. ما يوقف مصر الآن هو الموقف الدولي وخاصة أوروبا التي تشعر بأن منطقة شمال إفريقيا قد تكون البديل عن الشرق الأوسط وروسيا، فلييببا ونيجيريا والجزائر ومنطقة شرق المتوسط، فضلاً عن الغاز الذي يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية الذي يمر عبر الكاميرون إلى الساحل فأوروبا كل ذلك يجعل التركيز أكبر على المسألة الليبية، لذا فإن سيناريو الغزو سيكون صعباً في هذه المرحلة لكنه ممكن على كل حال

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
استشاري نظم صحية وباحث للعديد من مراكز الدراسات مؤلف العديد من الكتب المنشورة سياسي وخبير في…
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة