اتفاق سريع ومفاجئ.. هل يفرض توازن القوة حلا نهائيا لأزمة ليبيا

مفاجأة أكتوبر، هكذا وصف البعض إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يوم الجمعة من جينيف، توقيع وَفدي اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، اتفاقا دائما لوقف إطلاق النار في ليبيا.

ستيفاني وليامز التي أذاعت الخبر في مؤتمر صحفي من مقر الأمم المتحدة في جينيف، بدت شديدة التفاؤل بما تم التوصل إليه، وقد يحق لها ذلك في ضوء الظرف القياسي الذي دارت فيه المفاوضات، إذ لم يتجاوز عمر اللقاءات الشهرين بين بوزنيقة ومنتيرو والقاهرة وشرم الشيخ، وبعد أيام قلائل من اجتماع وفدي اللجنة العسكرية في سويسرا، وتحت وقع المفاجأة “السارة” بدأت الأسئلة تتوالى عن السيناريوات غير المعلنة وراء هذا الاختراق السريع.

هل اكتسبت وليامز الخبرة الكافية والمعرفة العميقة بحيثيات الملف الليبي، تهيئانها لتحقيق هذا الإنجاز الكبير الذي عجز عنه كل رؤساء البعثة الأممية في ليبيا منذ 2011؟
بخبرة 24 سنة في الحكومة الأمريكية والشؤون الدولية، تبوأت ستيفاني مراكز متقدمة في العمل الدبلوماسي ممثلة لبلادها في بلدان عربية وإسلامية كثيرة، كالأردن والبحرين وسوريا ومصر ومديرة مكتب المغرب العربي، ومن بوابة ليبيا شغلت وليامز منصب القائم بالأعمال بالإنابة في سفارة بلادها في طرابلس، قبل تعيينها في أغسطس 2018 نائب رئيس البعثة الأممية في ليبيا، وشاركت غسان سلامة في جهود الحل السياسي انطلاقا من مؤتمر برلين، ثم تسلمها مقاليد رئيس البعثة بالإنابة في 11 مارس الماضي خلفا للرئيس المستقيل غسان سلامة، وفي أقل من 8 أشهر تمكنت وليامز خريجة جامعة جورج تاون بدرجة الماجستير في الدراسات العربية، وخريجة الكلية الحربية الوطنية بدرجة الماجستير في دراسات الأمن القومي في 2008، من نسج مسار سريع وفعال حققت به حتى الآن اتفاقا غير مسبوق بين طرفي الأزمة في ليبيا في إطار اللجنة العسكرية المشتركة، وتطمح أن تستكمله بخارطة طريق سياسية في مؤتمر تونس المرتقب مطلع نوفمبر المقبل.

ورغم كل هذه المؤهلات الشخصية لرئيسة البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز، إلا أن السؤال ما يزال مطروحا حول خفايا هذا الاتفاق الذي بدا مستحيلا إبان قبول حكومة الوفاق بوقف إطلاق النار الذي أعلنته تركيا وروسيا في يناير الماضي ولم يوقعه حفتر، فهل يكون الأمر متعلقا بيأس حفتر من حكم ليبيا عسكريا بعد فشله في ملحمة طرابلس؟ وبدخول تركيا لاعبا حاسما في قلب موازين القوة لمصلحة حكومة الوفاق؟

لم يصدر حتى الآن أي تصريح بخصوص اتفاقيات لجنة 5+5 من قبل معسكر الرجمة، بينما عبر المجلس الرئاسي وشخصيات من معسكر الغرب عن ترحيبهم بالاتفاق، ويعزو عدد من المحللين هذا الصمت لقبول غير معلن من حفتر، وقد يكون تحت الضغط، فيما تتوارد تسريبات غير رسمية عن خلافات في صلب معسكره قد تنتهي بعزل آمن له ودون محاسبة، رغم تحذيرات بيانات الترحيب بالاتفاق الصادرة من الرئاسي ومجلس النواب في طرابلس، من إفلات مجرمي الحرب على العاصمة من العقاب، وتحميل الأمم المتحدة وبعثتها والمجتمع الدولي المسؤولية عن تعطيل العدالة وإنجاح الاتفاق.

ومقارنة بالموازنات العسكرية التي كانت تميل إلى مصلحة حفتر، قبيل عقد الملتقى الوطني بغدامس، والتي شجعته على فعل ما فعله، فإن التوازنات الحالية التي وضعته لأول مرة منذ 2014 في موضع المدافع، وتجاهل داعميه له في الحوارات الأخيرة، لمصلحة حليفه اللدود عقيلة صالح، لا تمنحه أي أفضلية أو جرأة على تكرار سناريو طرابلس، وقد يكون هذا المعطى هو الأكثر حسما في نجاح اتفاق جنيف.

ويكتسب البحث في عوامل نجاح الاتفاق وأسبابه، أهميته من تخوف الليبيين من فشل المسار برمته طالما أن أغلب الوجوه التي أفشلت المسارات السابقة وخاصة حفتر، ما زالت في مواقعها وكذا المصالح الإقليمية والدولية في ليبيا، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب باعتباره الاتفاق ضعيف المصداقية، والأيام القادمة ستظهر مدى صموده، على حد تعبيره، ورغم أن بنود الاتفاق التي نصت على فتح الطرق البرية والمعابر الجوية بين جميع المناطق، وخروجِ قوات الطرفين من سرت الجفرة وتشكيل قوة مشتركة لحمايتها، وتبادل الأسرى والجثامين، بحسب ما أفاد به رئيس وفد حكومة الوفاق بجنيف اللواء أحمد أبو شحمة، لا يمكن أن تكون إلا بادرة خير على المواطنين، إلا أنها توافقات لا يمكنها أن تحجب المخاوف من الفشل.

أما للمتفائلين فإن عوامل كثيرة قد تدعم شعورهم هذا إضافة إلى كل ما ذكرناه، فحالة “الإفلاس” التي يعانيها معسكر الرجمة لا يمكن إغفاله، وتفسره هجمة عناصره المتوحشة لاغتصاب أملاك المواطنين، وقمعهم للاحتجاجات الشعبية في مناطقهم، وتسرعهم في عقد صفقة مشبوهة مع عضو الرئاسي أحمد معيتيق، لضمان تسديد ديونهم وضخ أموال لم يمكنهم غلق النفط والمساومة به من توفيره، وحالة الانتشار السريع لفيروس كورونا وما خلفته من استياء في صفوف المواطنين، قد تكون من المعطيات المهمة في سرعة إنجاز الاتفاق، دون إغفال موجة الإيقافات التي طالت عددا من كبار المسؤولين في معسكر طرابلس، على خلفية شبهات فساد مالي، وذلك بعد مظاهرات واسعة في عدد من مدن المنطقة الغربية بما فيها طرابلس.

إعلان الاتفاق يوم الجمعة 23 أكتوبر ومصادفته لذكرى التحرير، قد تكون له رمزية وفأل خير يسير بليبيا إلى التحرر النهائي من أزماتها المزمنة، وإن بدا الطريق إلى ذلك طويلة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
صحافي تونسي حاصل على باكالوريوس آداب ولغة عربية
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة