حين ترتهن مجابهة الفساد للمزايدات السياسية

تحول الفساد اليوم إلى معركة سياسية حامية بين قادة جبهة الوفاق، بل زايد بعضهم على بعض في هذه المسألة حتى تحدث مسؤولون عن تورط مسؤولين في الفساد، وحث بعضهم المواطنين إلى النزول للشارع والتصدي لهذا الخطر الفتاك.

المشهد اليوم مرتبك، والمواطن في حيرة مما يسمع ويرى، فهؤلاء يدعون إلى وقفة جادة عنوانها حراك واسع للتصدي للفساد والفاسدين، وأولئك يردون بالقول إن هذا الحراك مؤامرة لنشر الفوضى وتقويض السلطة من داخلها بعد أن فشلوا في إسقاطها بقوة السلاح في 4 أبريل 2019م وما بعده.

ولأن الإهمال والتردد والعجز كان سيد الموقف طوال سنوات خلت، تطور الوضع إلى ارتباك واضطراب قد تكون نتائجه وخيمة.
خطر الفساد عظيم وهو متفش بلا ريب في أجهزة الدولة ويتطلب استراتيجية تتوحد ضمن ألياتها جهود جميع مؤسسات الدولة، وهو ما نفتقر إليه حتى هذه اللحظة.

أما أن يتحول الأمر إلى مناكفات سياسية قابلة للتحول إلى صراع، فهذا لا يمكن أن يخدم مجابهة الفساد، بل سيعقد الوضع ويفسح المجال لتعاظم الفساد وتفشيه أكثر واكثر.

لقد كان الفساد من أبرز التحديات أمام حكومة الوفاق منذ توليها السلطة في مارس 2015م، وبدل أن يتقلص تفشى واستفحل حتى اقترن بالحكومة وأصبح أحد مبررات العدوان على العاصمة، غير أن القليل تم فعله لمجابهته، وتورطت الحكومة في ممارسات كانت نتيجتها هدر المال العام والسطو عليه وسرقته.
ونتجه اليوم إلى تصعيد خطير بحجة مكافحة الفساد، ولجأ البعض إلى أدوات قد تكون غير ذات جدوى بل سببا في تأزيم الوضع وتكريس الفساد.

على صعيد آخر، فإن بعض الإجراءات التي تبنتها حكومة الوفاق اليوم ترسل رسائل خاطئة عن مكافحة الفساد، وللجميع الحق في أن يتساءلوا: لماذا لم تتخذ هذه الإجراءات عام 2015م والأعوام التي تلته، ولماذا تشعر الحكومة الرأي العام بأنها مدفوعة إلى هذا الفعل دفعا، وهو ليس من صميم مقاربتها للتصدي لهذا الشر المستطير.

المطلوب اليوم ليس توظيف الفساد للمزايدات وإحراج الخصوم وتصفية الحسابات، بل استدراك علة القصور الذي وقع خلال العوام المنصرمة من خلال جهد علمي عملي جاد وفعال.

فما نحتاجه اليوم هو التوافق على استراتيجية أو برنامج عمل متكامل لمكافحة الفساد يستهدي بالاتفاقيات والتجارب الدولية في مكافة الفساد، ويضمن تناغم كافة أجهزة الدولة المدنية والأمنية في تنفيذه، ويحقق درجة عالية من التنسيق بين الحكومة والمنظمات المتخصصة وكافة مكونات المجتمع لمواجهة هذا الداء العضال.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية.. بكالوريوس اقتصاد وماجستير علاقات دولية.. صدر له عدة كتب…
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة