مبادرة فائز السراج .. التوقيت والجدوى

رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج

الحروب عملت في غالب مراحل تاريخ البشرية على قلب أوضاع قائمة وتحويل حالة الاستقرار التي تسبقها إلى حالة من الاضطراب والفوضى التي يسعى الأقوياء إلى إعادة ترتيبها وفق مصالحهم غير أن من يبدأ الحرب لا يشترط دائما أن يحسمها لصالحه وفق تاريخ الصراعات.

العدوان على طرابلس وتوقف المسار السياسي

لاضوء يبدو في نهاية نفق الحرب التي أشعلها حفتر على طرابلس وتجاوزت الـ70 يوما فوضع بها الجميع في حالة من الاحتراب الداخلي تسببت حتى الآن في وفاة المئات ونزوح الآلاف، وأوقف معها المسار السياسي حينما كان يستعد الليبيون لعقد ملتقى جامع في غدامس؛ وهو الأمر الذي لا يستغرب من رجل تقوم شرعيته على الحرب وحدها لا على القانون والدستور، وهو ما دفع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج إلى إطلاق مبادرة سياسية مطلع الأسبوع الجاري.

مبادرة أثارت الجدل ولاقت ترحابا

النقاط التي تحدثت عنها المبادرة ثار حولها جدل بين مؤيدين متحمسين قبلوها كما هي ومرحبين متحفظين تعاطوا معها بإيجابية مع انتقادهم لبعض ما جاء فيها وبين من ناصبوها العداء منذ اللحظة الأولى ودون مواربة لعلمهم بأنها تستثنيهم من المشاركة في الحل وتعتبرهم جزءا من المشكلة.

المواقف الخارجية من المبادرة لم تخرج عن المتوقع بحسب مراقبين فقد تحمست لها بعثة الأمم المتحدة على اعتبار أنها تعيد صياغة خطوات البعثة التي أجهضتها الحرب، كما أيدها الاتحاد الأوروبي، وناقشها كبار المسؤولين في إيطاليا وفرنسا، في الوقت الذي قابلتها الأطراف الداعمة لحفتر بالصمت الذي وصل إلى حالة التجاهل لدى بعض الدول وبلغ بدول أخرى إلى حد تبني ملتقيات مضادة تحشد الدعم للحرب على العاصمة كما فعلت مصر بعقدها ملتقى لشخصيات ليبية من أنصار النظام السابق ومؤيدي حفتر لاختطاف الأضواء من مبادرة رئيس الحكومة المعترف بها دوليا.

اصطفاف داخلي بين مؤيد ومعارض

على الصعيد الداخلي تعددت المواقف من المبادرة منطلقة من الموقف من الحل العسكري بشكل عام والموقف من حرب حفتر على طرابلس بشكل خاص، مؤيدو العدوان رفضوا المبادرة شكلا وموضوعا ووصفها عبد الله الثني بأنها محاولة يائسة ووصفها زياد دغيم بأنها مثيرة للسخرية، فيما ناقشها مؤيدو الدولة المدنية من زوايا مختلفة فبعض من أيد المبادرة اعتبرها في حاجة إلى التطوير لتكون قابلة للتنفيذ وشكل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لجانا لمناقشتها مع المجلس الرئاسي من أجل تطويرها؛ فيما أعربت أطراف مثل مجلس أعيان بلدية مصراتة عن التأييد التام للمبادرة ودعوا بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليتهم ودعم المبادرة بحزم والوقوف مع الشرعية ضد المعتدين على العاصمة حسب بيان المجلس.

التوقيت والجدوى

في الوقت الذي لم يبق فيه صوت يسمع غير صوت القذائف وأزيز الرصاص، ولم يعد هناك مكان للحوار ولا للتفاوض، ونجح المدافعون عن العاصمة في امتلاك الأسلحة النوعية التي ستغير وفق وجهة نظرهم موازين القوى وتمكنهم من دحر المهاجمين وصد عدوانهم على العاصمة، وعقب دعوات أممية إلى فتح النوافذ للحلول السياسية، جاءت مبادرة السراج تتحدث عن ملتقى وطني وخارطة طريق وقاعدة دستورية وانتخابات ومصالحة وطنية لتضع الأساس لما بعد هذه الحرب المستعرة واندحار المهاجمين عن جنوب العاصمة كما يؤكد المؤيدون لها.

Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة