البعثة الأممية تنتقد مشروع “قانون المصالحة” المقدم من مجلس النواب

قالت دائرة حقوق الإنسان التابعة للبعثة الأممية، إن المقترح المقدم من مجلس النواب بشأن مشروع قانون المصالحة أخفق في الالتزام بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان، مضيفة أنه لا يبدو كافياً للدفاع عن نهج يتمحور حول الحقوق لتنفيذ المصالحة في ليبيا.

وأضافت الدائرة أن مشروع القانون لا يشير إلى قوانين العدالة الانتقالية السابقة، أو أي قوانين أو قرارات أخرى ذات صلة صدرت منذ أيام الثورة بما في ذلك قرارات تعالج جبر الضرر والمفقودين.

وأوضحت الدائرة أن القانون لم يتم إعداده من خلال مشاورات مع منظمات المجتمع المدني وأوساط الضحايا على وجه الخصوص، لافتة إلى أن مشروع القانون مقتضب ولا يضم سوى 15 مادة، وهو يركز على إنشاء “هيئة عامة للمصالحة الوطنية” تعمل تحت إشراف مجلس النواب الذي يختار أعضاء هذه الهيئة التي مهمتها “تعزيز السلام والتسامح المجتمعي” عبر توثيق الانتهاكات المرتكبة في الماضي وتعويض الضحايا.

وذكرت الدائرة أن ليست هناك تدابير واضحة للمساءلة ولا إطار زمني محدد للتحقيقات وجبر الضرر، ولا تذكر فيه صلاحية التحقيق أو آليات التعاون مع المحاكم ولا يوجد نص يمنع العفو العام عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، كما لا توجد إشارة إلى المجتمع المدني أو حق الضحايا في المشاركة في العملية ولا توجد إشارة إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وفق الدائرة.

الإطار الزمني

وقالت الدائرة إن مشروع القانون لا يشير بوضوح إلى حدود الإطار الزمني، مؤكدة أنه في غياب أي إطار زمني يحدده القانون يصبح من الصعوية بمكان أن تتمكن الهيئة العامة للمصالحة الوطنية من تنفيذ عملها في مجال التحقيقات والتوثيق على نحو فاعل، حيث يمكن أن تصبح عرضة للاختلاف في التفسير وأن يتم استخدامها كأداة سياسية.

وأضافت الدائرة أن عدم وجود إطار زمني واضح يتعارض مع المبادئ الدستورية بشأن الإجراءات الواجبة بما في ذلك ما يتعلق بالتقادم وعدم الرجعية.

الإطار المادي

وأكدت الدائرة أن الإطار المادي للهيئة العامة للمصالحة الوطنية يفتقر للوضوح أيضاً. وأن مشروع القانون الذي صاغه مجلس النواب لا يشير سوى إلى “الوقائع موضوع العدالة الانتقالية”، تاركا الأمر للوائح الداخلية التي تصدر مستقبلاً.

وأشارت الدائرة إلى أن استخدام التعابير المبهمة والتي تحتمل الكثير من التأويلات أو توسيع نطاق عمل الهيئة العامة للمصالحة الوطنية كتقديم الدعم للعملية الانتخابية أو “تيسير إرجاع النازحين” يتنافى مع أفضل الممارسات المعتمدة في العدالة الانتقالية، والتي يجب أن يتم فصلها عن أي سجال سياسي أو مصالح سياسية، بحسب الدائرة.

ولفتت الدائرة إلى أن مشروع القانون المقدم من مجلس النواب يشير فقط إلى جرائم ارتكبت من قبل “أطراف تابعة للدولة” وهذا في السياق الليبي أمر مبهم إلى حد كبير ولا يضع في الاعتبار كثرة التشكيلات المسلحة غير المنضوية تحت لواء الدولة والمسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في الآونة الأخيرة، وفق قولها.

صلاحيات الهيئة العامة للمصالحة الوطنية ومهامها

وقالت الدائرة إن مشروع القانون المعد من قبل النواب لا يحتوي على أي آلية قضائية ولا يبين العلاقة بين الهيئة العامة للمصالحة والمحاكم، كما لا يمنح الهيئة صلاحيات صريحة للتحقيق.

وأشارت الدائرة إلى أنه ينبغي أن تشمل الصلاحيات صلاحية جمع الأدلة أو مقابلة الناجين أو إجبار الشهود على الإدلاء بشهاداتهم أو الاطلاع على الأرشيف الوطني وقرارات المحاكم، وأن تنص الأحكام على ضمان دخول الهيئة لمرافق الاحتجاز أو مواقع المقابر الجماعية لدعم جهودها في التحقيق.

وشددت الدائرة على ضرورة أن تنص الأحكام على على عقوبات في حال عدم الامتثال أو رفض التعاون معها، وليس كما جاء في نسخة المسودة التي تكتفي بالنص على أن بإمكان الهيئة طلب كل الوثائق التي تراها ضرورية، بحسب الدائرة.

وضع برنامج للتعويضات وتنفيذه

وأشارت الدائرة إلى أن مشروع القانون المقدم من مجلس النواب يذكر إنشاء صندوق للتعويضات، إلا إنه أخفق في ذكر أية تفاصيل حول عمله أو كيفية تنفيذه أو مصادر تمويله أو أعضائه، مضيفة أن مشروع القانون المقدم من مجلس النواب يُبقي جميع هذه العناصر المهمة للوائح التنفيذية التي ستصدر مستقبلاً.

وأوضحت الدائرة أنه لضمان عدالة العملية، فإنه يتعين أن يضيف مشروع القانون تفاصيل حول عملية ترشيح أعضاء صندوق التعويضات؛ لضمان تمتعهم بالشرعية، كما ينبغي أيضاً بيان عملية الحصول على التعويضات ومعاييرها. وفق الدائرة.

وأضافت الدائرة أن التعويضات ليست الصيغة الوحيدة لجبر الضرر، فهناك التدابير الرمزية لجبر الضرر مثل برامج تخليد الذكرى إلى جانب عمليات جبر الضرر الجماعي والتي ينبغي أن تدرج في القانون، بحسب الدائرة

التوعية والمشاركة والتشاور

كما ذكرت الدائرة أن مشروع القانون لا يعتمد على نهج يركز على الضحايا في العدالة الانتقالية، ولا توجد فيه إشارة إلى مشاركة الضحايا، وكون مشروع القانون ينص على أن مقر الهيئة سيكون في سرت مع وجود مكاتب لها في كل بلدية؛ فإنه أمر يثير تساؤلات، إذا يجب ألا يكون للفروع المحلية أية علاقة بالمجلس البلدي أيضاً وذلك لضمان شعور الضحايا بالأمان عند اللجوء إليه.

كما أشارت الدائرة إلى أن مشروع القانون لا يحتوي على أية تدابير تنص على حماية الشهود، مؤكدة ضرورة إدراج لائحة بتدابير السلامة الممكنة للحفاظ على سرية هوية الشهود عند الاقتضاء إلى جانب خطط لنقل الشهود المعرضين للخطر وتغيير أماكن إقامتهم مؤقتاً وتنفيذ هذه التدابير.

المساءلة والعفو

ولفتت الدائرة إلى أنه ينبغي ألا يؤثر العفو وغيره من تدابير الصفح على حق الضحايا في الوصول للحقيقة والعدالة والتعويضات حتى عندما يكون المقصود منه تهيئة الظروف المواتية للوصول إلى اتفاق سلام أو تعزيز المصالحة الوطنية.

وأوضحت الدائرة أن مشروع القانون لا يطرح ضمانات كافية بأن “المصالحة” لن تعني الإفلات من العقاب وعدم محاسبة الجناة، كما لم يتم التشديد بما فيه الكفاية على المساءلة بشكل عام كمبدأ أساسي للمصالحة؛ لضمان عدم استخدام العملية نفسها من قبل الجناة المزعومين للحيلولة دون وقوعهم في قبضة العدالة، وفق الدائرة.

وذكرت الدائرة أن مشروع القانون يخطئ عند إشارته إلى أن “المصالحة هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية”، إذ وفقاً للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة ومُقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالعدالة الانتقالية، فإن المصالحة هي النتيجة النهائية للعدالة الانتقالية، وينبغي أن تكون قائمة على الحقوق وأن تركز على الضحايا، بحسب الدائرة.

استقلالية الأعضاء وترشيحهم

وقالت الدائرة إن مشروع القانون المقدم من مجلس النواب ينص على أن تتمتع الهيئة العامة للمصالحة الوطنية بالاستقلالية، لكنه يضعها بوضوح تحت إشراف مجلس النواب، وينص على أن يتم ترشيح جميع أعضائها من قبل مجلس النواب، مشددة على أن هناك حاجة إلى تدابير أقوى لضمان أن تكون الهيئة بعيدة عن النفوذ السياسي أو الرقابة.

وأضافت الهيئة أنه ينبغي أن تشمل الطرق الأخرى لحماية استقلالية الهيئة معايير واضحة وعمليات شفافة لاختيار مفوضيها الذين يتعين أن يحظوا بالاحترام على نطاق واسع ويمثلون مختلف الأطياف الليبية، هم وجميع موظفي الهيئة بمن فيهم موظفو الفروع، وفق الدائرة.

كما لفتت الدائرة إلى ضرورة أن تكون أساليب الاختيار أكثر دقة وأن توفر ضمانات بأن يتم ترشيح المفوضين من خلال عملية مفتوحة وشفافة وتشاركية، مع مراعاة التنوع من حيث التخصص والعمر والنوع الاجتماعي مع إدراج التخصصات المطلوبة وضمان عدد معين من المقاعد للنساء، بحسب الدائرة.

المصدر: دائرة حقوق الإنسان الأممية + قناة ليبيا الأحرار

Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة