خمس حركات سودانية مسلحة في شرق البلاد وجنوبها هي (جيش تحرير السودان – جناح مني مناوي، وجيش تحرير السودان – جناح عبدالواحد نور، وتجمع قوى تحرير السودان، المجلس الانتقالي، ومجلس الصحوة الثوري السوداني).
إخراج الحركات السودانية المرتزقة من ليبيا – والذي يلبي طموحات المرحلة بالنسبة لليبيين لأجل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، يصطدم بواقع عدم اكتمال فصول توحيد المؤسسات العسكرية الذي تقوده لجنة 5+5، وهو الأمر الذي يتطلب أن تسبقه مغادرة كل الحركات الأجنبية المسلحة للأراضي الليبية حتى يتسنى لليبيين تهيئة المناخ المطلوب لإجراء الانتخابات والتقدم في ملفات وحدة المؤسسات وخاصة العسكرية.
ومع الأخذ بمعطيات طبيعة وجود المرتزقة السودانيين في ليبيا حالياً، فإن وجودهم منذ وصولهم، ظل مرتبطاً بمغريات مكاسب يحصدونها من الارتزاق في ليبيا، في مقابل عدم وجود دوافع تحفيزية يفضلونها للمغادرة، خاصة وأنهم يتلقّون مرتبات عالية مقارنة بواقعهم القائم على النهب المسلح في السودان، إضافة إلى ممارستهم التجارة المشروعة وغير المشروعة من ليبيا وإليها بجانب التهريب وغيره.
والجدير بالإشارة إليه أن إقليم دارفور – الذي أتت منه هذه الحركات المرتزقة للانخراط في الصراع الليبي مع خليفة حفتر – يشهد الإقليم حالياً توترات أمنية وعسكرية كبيرة وثارات مؤجلة بين أغلب هذه الحركات فيما بينها، ويزيد الوضع تعقيداً بالنسبة للحركات عدم قدرة الدولة السودانية ومن يتولون السلطة حالياً، على تطبيق اتفاق سلام جوبا “السوداني -السوداني” الذي يحل مشكلاتها ويدخلها في مرحلة السلام بالسودان، بدل الارتزاق في ليبيا.
ولكن من زاوية أخرى فإن ليبيا – ويمثلها في الحالة التالية خليفة حفتر – تزيد من شدة التوتر في دارفور وهو ما تضمّنه أواخر يناير الماضي تقرير خبراء الأمم المتحدة المكلفين بمراقبة حظر الأسلحة المفروض على السودان لصالح مجلس الأمن، من استمرار انتهاك الحظر”بنقل أسلحة وأنواع أخرى من المعدات العسكرية إلى دارفور”.
التقرير نفسه أكد أن آلاف المرتزقة السودانيين الموجودين بليبيا يعملون في خدمة خليفة حفتر، وهو الدليل القاطع على أن الأخير يمثل مصدر التمويل للمرتزقة السودانيين في ليبيا بالمال والسلاح وما خفى أخطر، الأمر الذي أدخل البلاد في ورطة الاستيراد والتصدير للخطر والجرائم عبر الحدود.
واقع الحال هذا يُلقي على كاهل ليبيا الحمل الثقيل لإخراج المرتزقة الأجانب، ونخص بالذكر هنا السودانيين منهم، فبعضهم ينتمون إلى حركات موقعة على اتفاق جوبا للسلام المبرم في أكتوبر 2020 مع السلطات السودانية، وإلى أخرى لم توقع على الاتفاق. هذا مع تبيان الخبراء الأممين أنهم غير قادرين على تحديد عددهم الإجمالي.
التقرير الأممي أشار إلى جزئية مهمة وهي مشاركة الحكومة السودانية في أنشطة اللجنة العسكرية المشتركة “5 + 5” التي تضم ممثلين عن شرق ليبيا وغربها، لضمان استمرار وقف إطلاق النار وانسحاب المقاتلين والقوات الأجنبية من البلاد، غير أن هذه المشاركة تكاد تكون غير ذات جدوى بسبب صراعات قديمة بين الحركات السودانية مع بعضها البعض؛ جزء منها يشارك حالياً في السلطة بالسودان بعد سقوط نظام البشير، وجزء آخر يمارس الارتزق في ليبيا، وبعضها منقسم بين هؤلاء وهؤلاء، وهو ما يمكن أن يؤكد صعوبة خروج المرتزقة السودانيين وليس استحالته، وتكون الحصيلة أن تدفع ليبيا ثمن الصراعات السودانية على أراضيها، وعليه فمن أوجب الواجبات أن يبحث الليبيون عن معالجات ناجعة لهذا الواقع الناجم عن تعقيدات المشهد السوداني وظلاله المترتبة على ليبيا بسبب حفتر.
وحتى تتمكن ليبيا من الانتقال إلى حالة الأمن والاستقرار والاستحقاقات الديمقراطية، فليس من المنطقي أن تنتظر اتفاق السودانيين الموقعين على اتفاقية سلام جوبا مع غير الموقعين، حتى تستطيع بعد ذلك إخراج المرتزقة من أراضيها، وذلك يكشف بوضوح عدم وجود الحلول الجذرية لتنفيذ القرارات الناتجة عن مؤتمري برلين (1 و2) حول ليبيا، بخصوص إخراج الأجانب من البلاد، حيث أن المؤتمرين لم يضعا الحلول الأقليمية للأزمة الليبية في الحسبان، ما يجعل ليبيا في ظل غياب هذه الحلول أن تحتمل وحدها عبء قضايا خارج حدودها وغير معنية بها.
وأمام تعقيد وضع المرتزقة السودانيين في ليبيا وخروجهم، فقد أوضح الخبراء الأمميون أن العديد من “المجموعات الصغيرة (من المرتزقة السودانيين) الناشطة في ليبيا” لديها “الإرادة للانخراط في محادثات السلام والعودة إلى السودان”، وأوصوا المجتمع الدولي “بتقديم تمويلات إلى السودان والدول الأخرى المعنية” من أجل “تجنب زعزعة الاستقرار في منطقة” دارفور.
ويبقى من المهم تأكيده أن توافق الفرقاء الليبيين يختصر الكثير من الوقت في انتظار الحلول الخارجية، وهذا يتطلب توحّدهم من أجل إخراج الأجانب مع الوضع في الاعتبار خصوصية الذين لا توفر لهم بلدانهم الظروف اللازمة لعودتهم، وليس الاكتفاء فقط بمطالبة ليبيا للمجتمعين الإقليمي والدولي بتحمّل مسؤولياتهما في هذا الخصوص.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً