لا تقوم أي عملية استقرار وبناء ديمقراطية في أي مكان على وجه البسيطة، إلا إذا توفرت البيئة الصالحة لهذه العملية من أمن وإحصاء وقاعدة دستورية مقبولة من الجميع، إضافة إلى سلطة عسكرية وأمنية تحمي كل ما سبق وتقوده إلى غاياته ونهاياته المطلوبة، ويتمثل وضع هذه السلطة الحالي في ليبيا والمعترف به دوليا في المجلس الرئاسي الذي يرأسه محمد المنفى بوصف أن المجلس هو القائد الأعلى للجيش.
الأمن وحماية الحدود والدستور تأتي في صدر قائمة المهام المطلوبة من السلطة العسكرية والأمنية وجيش ليبي وطني واحد..
ولكن بتفكيك معطيات هذا الواقع بداية من الحدود، دعونا نتعرف أولا على توصيف الارتزاق في القانون الدولي الإنساني..
فالمرتزق هو أي شخص يجرى تجنيده خصيصا ليقاتل في نزاع مسلح أو يشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية، هكذا ورد تعريف المرتزقة في الملحق الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، ويشمل التعريف أيضا كل شخص يحفزه أساسا إلى الاشتراك في الأعمال العدائية أو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، أو كل شخص ليس من رعايا طرف في النزاع ولا مستوطنا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع أو ليس عضوا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، أو ليس موفدا في مهمة رسمية مـن قبــل دولة ليست طرفا في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة.
ولعل مرتزقة شركة فاغنير الروسية والحركات المسلحة السودانية يأتون في صدر قائمة هذا النوع الموصوف بدقة في القانون الدولي والإنساني، كما لم يتغافل ذات القانون عمّن استعان بهم ووظفهم للاشتراك في النزاع، ويعنينا هنا ما يجري داخل البلاد.
ما يجري على الأرض أن وجود مرتزقة فاغنر يفسر وجود طرف يحشد قوة أجنبية لاستخدامها في الصراع على السلطة، وهذا ما أنتج عدم وجود قوة ليبية واحدة تشيع الأمن والسلام وتحرس الحدود والدستور.
غير أن وسائل إعلامية غربية نقلت عن مصادر دبلوماسية في أروقة لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، انتهاء بعثة المنظمة لتقصي الحقائق في ليبيا من إعداد لائحتها النهائية بأسماء كبار المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، على أن تعلن خلال مؤتمر صحفي للبعثة في 6 يوليو القادم.
وكان خبراء في الأمم المتحدة، قد خلصوا في تقريرهم لعام 2021، إلى وجود أدلة على حدوث جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ليبيا منذ عام 2016 بعد تحقيق أجروه على الأرض وفي دول مجاورة، فيما قررت البعثة حينها عدم نشر قائمة الأسماء الأفراد والجماعات الليبية والأجنبية، التي قد تكون مسؤولة عن هذه الانتهاكات والتجاوزات والجرائم المرتكبة في ليبيا منذ 2016.
وقال الخبراء آنذاك إن هذه القائمة ستبقى سرية إلى أن تظهر الحاجة إلى نشرها أو تشاركها مع هيئات أخرى يمكنها محاسبة المسؤولين عنها.
من خلال ما سبق فإن صدور هذه القائمة يعني الضغط على من يستعين بالمرتزقة الأجانب في ليبيا داخلياً، ويزيد من فرص حصار الداعم الخارجي بالمرتزقة والسلاح على حد سواء، وكل ذلك نحسب أنه تسبب في تقويض الانتقال الديمقراطي وكذلك أضاع فرص إنهاء المراحل الانتقالية الطويلة التي مرت بها البلاد منذ انتصار ثورتها المجيدة في 2011.
توتر الأوضاع في دول الإقليم المحيطة بليبيا وخاصة السودان يلقي بظلاله على مستقبل العملية السياسية في البلاد، بالاستناد إلى ما كتبه موقع صحيفة أخبار السودان الإلكتروني، من أن منظمة فرنسية تدعى Promediation عقدت مفاوضات في النيجر لبحث ترحيل المقاتلين السودانيين التابعين لعدد من الفصائل السودانية في ليبيا وإعادتهم إلى بلدهم.
وأضافت الصحيفة أن منظمة Promediation نظمت بالتعاون مع مركز 4S ورشة عمل بالخصوص في العاصمة النيجرية ميامي تحت عنوان “تحديات منطقة تمر بمرحلة انتقالية” لإعادة التشكيل الإقليمي لمنطقة شرق الساحل (ليبيا وتشاد والسودان والنيجر).
ووفق الصحيفة فقد شارك وفد حكومي من السودان برئاسة مدير الاستخبارات العسكرية اللواء محمد أحمد صبير في المفاوضات؛ حيث وافقت 7 فصائل من دارفور موجودة في الأراضي الليبية على الاندماج في تحالف واحد تحت اسم “المسار الديمقراطي”، بينما تحفظت الحركة التي يقودها عبد الله بنده على المشاركة بسبب خلافات داخلية ووجودها في ليبيا بمناطق تمركز مجموعات موقعة على اتفاق جوبا للسلام الذي وقعته حركات سودانية مسلحة مع حكومة بلادها خلال فترة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، بحسب الصحيفة.
وبحسب الصحيفة السودانية، فإن انسحاب المقاتلين الأجانب جزئيا يعتمد على التقدم في عملية السلام والعملية السياسية في تشاد والسودان أيضاً، وإذا لم تتم عملية إدارة عودة هؤلاء المقاتلين بعناية، فقد تكون لهذه العملية تداعيات أمنية سلبية على هذين البلدين.. وهنا تدفع ليبيا ثمن وجود مرتزقة تتأرجح أوضاعهم ما بين حاجتهم إلى الارتزاق، وواقع قبولهم في البلدان التي جاؤوا منها.
الصحيفة نقلت أيضاً عن مصدر بالمنظمة الفرنسية قوله، إن هذه الورش هدفت إلى إيجاد استراتيجية شاملة لمعالجة ترحيل المقاتلين الأجانب من ليبيا والتي ستشمل مختلف السلطات الليبية والحكومات المجاورة والجماعات المسلحة والجهات الراعية من المجتمع الدولي.
إذن فإن داء المرتزقة الأجانب لا تتحمله ليبيا وحدها، وهذا الحال يتطلب أن تعمل الأمم المتحدة على نسق يشمل الأطراف الخارجية لهذه العناصر التي جاءت للارتزاق في ليبيا، وبصورة أو بأخرى أدى وجودها إلى تعطيل ما ترمي إليه البعثة الأممية بليبيا من تحقيق الاستقرار وإقامة الانتخابات خاصة في الوقت يتم فيه استخدام المرتزقة وسيلة للمساومات السياسية من بلوغ أفضل المكاسب بالنسبة لمستخدميهم بالداخل والخارج على الأراضي الليبية.
ممثلون باللجنة العسكرية المشتركة 5+5 قالوا إنهم أنهوا كل العمل الفني بالتنسيق مع الأمم المتحدة والأطراف الإقليمية الفاعلة، وكذلك دول الجوار الليبي، والدول التي لديها قوات و(مرتزقة) في ليبيا.. وأمام هذا الواقع يبقى السؤال الذي تملك الأمم المتحدة وحدها الإجابة عنه.. وهو في أي اتجاه ستدور البوصلة الأممية لعلاج ملف المرتزقة في البلاد حتى تبلغ ليبيا التعافي من وجودهم الذي يعيق الأمن والاستقرار والديمقراطية؟!
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً