تثير فكرة العودة للحرب مخاوف الكثير من المتابعين، فالصور التي تخرج بين الفينة والأخرى، والتي يبدو أنها تظهر بشكل متعمد تعيد للأذهان منظر الحرب والدمار والقتال الذي سببته هذه المغامرات والمقامرات التي جعلت البلد رهين المَحبسين الاستبداد والإرهاب المتمثل في التطرف والمليشيات التي تتغلغل في الحياة اليومية للناس في الشرق والغرب، وقوات المرتزقة التي رهنت الجنوب لمطامع الدول الخارجية.
الآن في خضم كل تلك التناقضات، مالذي سيحدث لو أعلنت الحرب من جديد؟
ما هو المستوى الذي ستندلع فيه الحرب هل هي حرب محلية أم دولية؟
ماهي الدول التي ستتدخل هذه المرة؟
هل ستنعكس تناقضات المجتمع الدولي بخير طاحنة في ليبيا لا قدر الله؟ والسؤال الأهم ماهي عواقب كل ذلك على المسار السياسي والمسار المؤسسي لدولة الليبية؟.
يبدو أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر يحاول – كما فعل مع اتفاق الصخيرات- أن يختطف مسار جنيف لصالحه، اذ لم ينته مسلسل الابتزاز لحكومة الوحدة الوطنية من خلال اعتماد الميزانية المقترحة من الأخيرة، والتغلغل في مؤسسات الدولة في طرابلس، وهذا قد يبدو طبيعيًا في ظل الحديث عن وحدة وطنية، لكن الحديث عن ميزانية خاصة بقوات حفتر لا يمكن أن يكون وفاقًا أو بحثا عن مؤسسة عسكرية في ظل التحشيد العسكري المستمر لحفتر وداعميه.
بمعنى آخر، هو ينظر لكل شيء من منظور الحرب وتمكينه من العاصمة، فكل الحوارات هي وسيلة لكسب الوقت للانقضاض على الفريسه واغتنام الدولة، لذا حرص أن يظهر بمظهر اللاعب الحر خارج إطار توافقات الليبيين، لكن المعادلة الدولية فيما يبدو أكثر تعقيداً من تصورات حفتر.
لقد أخطأ حفتر التقدير في عدوانه على طرابلس، حين ظن أن الدول الإقليمية ستصمت عندما ترى شمال إفريقيا في قبضة روسيا، وأنه بوصوله للسلطة سيرضي فرنسا وروسيا ويمنع تنافسهما في المنطقة.
وأحطأ كذلك حين اتبع الإمارات كالأعمى بدعم قوات الفاغنر الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تغض الطرف عن تدخل تركيا بل التنسيق مع حلف الناتو للحفاظ على توازن عسكري يسمح بمسار سياسي جديد.
نفس الأخطاء تتكرر الآن الروس يغضون الطرف عن تواجد قواتهم في ليبيا ويفتحون المجال لحفتر للضغط على كافة الأطراف من خلال تصوير قدراته العسكرية أنها تزداد وأن الحرب قادمة، وفي نفس الوقت يعمل الروس على إعادة رسم خارطة تمددهم في ليبيا وإفريقيا، ويبتعدون قدر الإمكان عن الاحتكاك بتركيا لذا يتوجهون نحو الجنوب، وهذا المسار العمودي يجعل الحرب القادمة في ليبيا على الأرجح أنها معركة الجنوب وليس الغرب.
معركة الجنوب تلك هي بيت القصيد لأن فرنسا تريد أن تؤمن طرق إمدادها ونفوذها، وروسيا بقوات الفاغنر تعزز تواجدها في إفريقيا، وحلف الناتو يسعى لإبعاد روسيا عن شمال إفريقيا دون الدخول في حرب مباشرة، إذا عرفت تعقيد تلك المعادلة ستعرف قيمة الوكيل وهو حفتر ، وهو الذي تختفي تحت عباءة أطماعه أطماع الدول الكبرى وهي تلبس لبوس الحملان وتخفي الذئب الذي يسعى للانقضاض على خصمه.
المستوى القادم للأزمة هو دولي ولن تحدث بإعلان من حفتر بل بخلاف عميق يظهر للسطح بين الدول المتدخلة في ليبيا، وفشل ظاهر في المسار السياسي، كما أن الحرب لو حدثت ستكون انعكاساً لأزمات أخرى في العالم، وعواقب هذه الحرب ستكون وخيمة لأنها ستعلن فشل الدولة الليبية التام. يبقى السؤال هل هو سيناريو مرجح، أظن أنه بعيد لكن مستوى العنف سيظل قائماً وبدرجة منخفضة يحافظ بها كل طرف على مستوى قوة معينه تمكنه من التواجد في المشهد السياسي بقوة، إن أردت أن تعبر عن ذلك بحرب نفوذ ومكاسب فلم تخالف الصواب بحال من الأحوال.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً