نتذكر ونذكر عندما تلم بنا الأزمات

تدهور الأوضاع في البلاد بعد سقوط نظام العقيد القذافي أربك قطاعا كبيرا من أنصار ثورة فبراير، فضلا عمن وقفوا على الحياد، واتخذه أنصاره حجة على صواب موقفهم مما يصفونها بالنكبة، وصار تحججهم بأنها مؤامرة مقبولا لدى كثيرين.

وهنا ينبغي أن نقف على جملة من الحقائق التي يغفل عنها حتى كثير ممن ناصروا فبراير ويصم من صادمها آذانهم عنها، هذه الحقائق هي:
1) أن الثورة كانت رد فعل شعبي عفوي على إخفاق النظام السابق في أن يحقق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لشعب يملك ثروة كبيرة، خاصة بعد أن اطلع على واقع دول نفطية عربية تعيش رغدا من العيش سبقت ليبيا إلى مقدماته خلال ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.
2) أن النظام السابق واجه الهبة الشعبية العفوية بالازدراء ثم العنف وأرسل أرتالا ليقضي على الانتفاضة الشعبية العفوية السلمية بالقوة، فأعطى مبررا للتدخل الخارجي وسمح لمن أراد أن يقتص منه على أفعاله التخريبية ضد العديد من الدول في كل القارات أن يفعل.
3) أن الاخفاقات الكبيرة وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي لم يكن مسؤولية من تصدروا المشهد السياسي والعسكري وأصبحوا أصحاب القرار في البلاد فحسب، بل إن أنصار النظام السابق سعوا بكل ما أتيح لهم من إمكانيات لإجهاض التجربة.

لا يمكن لأنصار النظام السابق أن يفصلوا بين سنوات حكمهم وما وقع فيها من تدهور على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي كانت نتيجتها مجتمع مغيب وشباب تائه في واقع مترد، والدليل أن تونس شهدت ثورة ولم يقع فيها ما وقع في ليبيا لأنها دولة مؤسسات والتعليم فيها ناجع فأوجد تماسكا مؤسساتيا ووعيا شعبيا تناغم مع الثورة وتفادى المنعطفات الخطيرة، بينما قام النظام السابق بتلغيم الوضع وعسكرة الثورة، ولأنه لم يبن مؤسسات فاعلة ولا تعليما ناجعا وقع ما وقع اليوم.

واقعة توصية الحبيب بورقيبة معمر القذافي أن يهتم بالتعليم ورد القذافي بأن التعليم قد يدفع الشعب للانتفاض، فكان رد بورقيبة أن ينتفض ضدك شعب متعلم أفضل من انتفاضة مجتمع جاهل، فيها دلالة مهمة جدا ترسم معالم المشهد الراهن، بغض النظر عن وقوع الحادثة من عدمه. ذلك أن الشعب التونسي الذي حظي بتعليم جيد تعامل مع إفرازات ثورته، ولكل الثورات إفرازات سلبية، بدرجة ملحوظة من الوعي، فيما انزلق قطاع كبير من الليبيين، خاصة الشباب، في انعطافات تعكس ضعف التعليم وقلة الوعي.

أضف إلى ذلك دور المنتظم السياسي والمجتمعي التونسي المتقدم نسبيا والذي ضم أحزابا ونقابات ومنظمات مدنية كان له إسهامه الكبير في تجنيب تونس منزلقات خطيرة، وكان غيابه بسبب قمع النظام السابق أحد أهم عوامل التدهور الذي نشهده اليوم، فهل يمكن القول إن المسؤولية تتحملها الثورة، وإن النظام السابق الذي حكم لما يزيد عن أربعين عاما غير مسؤول، وكانت هذه المدة كافية لنقل البلاد في مصاف الدول المتقدمة، ولو وقع هذا لما احتاج الليبيون أن يثوروا، إذ لم تثر شعوب الدول النفطية الغنية لأنها تتمتع بمستوى عال من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي وتنعم بهامش من الحريات وتشهد حراكا ثقافيا حيويا كانت ليبيا قبل أربعين عاما سباقة إليه.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية.. بكالوريوس اقتصاد وماجستير علاقات دولية.. صدر له عدة كتب…
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة