العبرة من مناكفات أعضاء حكومة الوفاق حول الفساد

اندلعت أزمة بين مكونات حكومة الوفاق، وتفجر الوضع بعد أن أعلن وزير الداخلية، فتحي باشاغا عن عزمه التصدي للفساد والذي يعشش في أروقة مؤسسات حكومية ويتورط فيه مسؤولين في الدولة، كما صرح بشكل مباشر.

اتخذ باشاغا خطوات عملية منها توقيعه بروتوكول لمجابهة الفساد تم توقيعه مع المصرف المركزي، وأصدر بيانات وتصريحات نارية أقضت مضاجع كثيرين، واعتبرها أعضاء المجلس الرئاسي تحديا لهم، بعد أن تحرك قطاع من الرأي العام ووقعت مواجهات، الأمر الذي قاد إلى قرار إيقاف باشاغا وطلبه للتحقيق.

أصدر باشاغا بيانا يرحب بالتحقيق امتثالا لقواعد الحكم الديمقراطي وأساسيات الدولة المدنية التي لا يوجد فيها من هو فوق القانون. إلا إنه طلب أن يكون التحقيق علنيا، وفي ذلك استصحاب لموقفه المتصلب تجاه ما يقع واستمرارا في توجهه للتصدي للفساد حتى لو كان قريبا من المجلس الرئاسي.

عاد باشاغا من الخارج ليعقد لحظة وصله إلى مطار امعتيقة جلسة شبيهة بالمؤتمر الصحفي ويؤكد على موقفه من الفساد، وأنه ماضي في مواجهته وأنه ينحاز لليبيين جميعا حتى لو كلفه ذلك منصبه.

ظهر باشاغا بعد جلسة التحقيق بنبرة مختلفة مشيرا إلى الأجواء التي ساد فيها التحقيق معرجا على جملة من النقاط لم يكن من بينها موقفه الصلب من الفساد، مما يعطي انطباعا أن نغيرا في موقف الوزير قد وقع، وليسا معلوما بعد إذا ما كان التغيير كليا بالتراجع عن سياساته السابقة، أو هو تغيير على صعيد طريقة العمل وسياسة مواجهة الفساد والتي اتخذت طابعا إعلاميا مثيرا ومصادما، والاتجاه إلى المواجهة المهنية والإجراءاتية التنفيذية.

ومن المحتمل وقوع سيناريو التفاهم وبالتالي رضوخ وزير الداخلية إلى ما يعتبره المجلس الرئاسي التزاما بالاختصاصات والمسؤوليات وابتعادا عن مواقف وتصريحات ذات طبيعة سياسية تقود إلى إضعاف جبهة الوفاق في مرحلة صعبة وتثير اضطرابات قد تكون نتائجها وخيمة.

وبغض النظر عن السيناريو الراجح في تفسير ما وقع، فإن درسا ينبغي أن يكون محل تركيز القيادات السياسية في البلاد، وهو أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون محل جدل أو ساحة مناكفات، وأن الوضع خطير جدا حيث تهدر ثروات البلاد وتنهب أموال الليبيين فيما تقف الحكومة مكتوفة الأيدي، بل وتتورط بنهجها غير المنضبط في إدارة المال العام وترددها في مواجهة الفساد.

أن الأوان أن تتوافق كافة مؤسسات الدولة، من مجلس رئاسي وحكومة ومصرف مركزي وجهات رقابية وأجهزة تنفيذية للعمل ضمن خطة أو برنامج وطني لمكافحة الفساد، يتصدى لهذا المرض الذي أوهن الدولة.

إن أولى خطوات بناء الثقة في عزم الحكومة على التصدي للفساد تكون بالأخذ بالحوكمة كنظام فعال في الإدارة، وتطبيق الشفافية والإفصاح عن كل قرار مالي يصدر عن الرئاسي والحكومة وكافة الوزارات.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية.. بكالوريوس اقتصاد وماجستير علاقات دولية.. صدر له عدة كتب…
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة