ديمقراطية فرنسا المشوهة: ماكرون في بيروت يهاجم حزب الله وفي ليبيا يدعم حفتر

ماكرون
ماكرون وحفتر ونصر الله

انفجار بيروت العظيم هز العالم وأثار التعاطف مع ضحاياه ومع نكبة لبنان غير المسبوقة، ولكن زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إلى موقع الانفجار، كأول زعيم أجنبي يتحرك بتلك السرعة، لفتت الانتباه رغم سياقها الإنساني، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها خلال الزيارة.

من المعلوم العلاقة التاريخية بين فرنسا ولبنان مستعمرتها القديمة، ومن المعلوم أيضا علاقتها الحمائية لمسيحييه الذين كانوا أغلب ضحايا الانفجار، غير أن الاستعراض الذي ظهر به ماكرون في موقع الحادث وشوارع بيروت، وما رافقه من تصريحات كان رسالة أبعد من التعاطف الإنساني البرئ.

وقال ماكرون وهو يعاين أضرار انفجار المرفأ منفردا دون مرافقة أي من الرئاسات اللبنانية الثلاث، إنها “صورة لأزمة لبنان الحالية”، وتمادي في القول إن هناك حاجة إلى “نظام سياسي جديد”، وإلى مراجعة حسابات المصرف المركزي اللبناني وإنه “إذا لم يكن هناك تدقيق في البنك المركزي، فلن يكون هناك المزيد من الواردات في غضون بضعة أشهر، وبعد ذلك سيكون هناك نقص في الوقود والغذاء”، مضيفا أن التمويل متاح للبلاد لكن يتعين على قادتها تنفيذ الإصلاحات أولا، وأنه يجب إجراء تحقيق دولي في الانفجار “للحيلولة دون إخفاء الأمور ولمنع التشكيك”.

لا تبدو تصريحات ماكرون منطقية ولا ديبلوماسية وهو يتجول في بيروت دون حكامها، ضاربا عرض الحائط بسيادة لبنان مستغلا الغضب الشعبي المتنامي منذ فترة ضد أجهزة الدولة، وما كان لماكرون أن يجرؤ على فعل ذلك لولا رغبته في استعادة الوصاية على البلد المنكوب.

وأخطر ما صرح به الرئيس الفرنسي تحذيره كبار المسؤولين وزعماء الأحزاب من أنّ استمرار لبنان في وضع يهيمن فيه حزب الله على البلد ويخزّن فيه صواريخ وأسلحة مختلفة سيجرّ الويلات على لبنان، وإن كان صادقا في توصيف الوضع السياسي في البلاد الذي تسيطر عليه إيران عبر ذراعها العسكري حزب الله المتورط في دماء السوريين، فإن الأحرى به ألا يدعم في ليبيا عسكريا متمردا على سلطة الدولة، أحبط طيلة سنوات جهود الحل السياسي ويريد حكم البلاد بالقوة وخارج إرادة الليبيين.

وإذا كان ماكرون منزعجا من حزب الله الذي يشارك منذ عقود في الحكم عبر صناديق الاقتراع ولو كان مشوها بالمحاصصات المذهبية، فقد كان الأولى به أن يراجع موقف بلاده المخزي في ليبيا، ودعمها منشقا لا يؤمن بالديمقراطية ومتعطشا للحكم على ظهر دبابة.

لقد تناسى ماكرون أن ما يعانيه لبنان هو ميراث الاستعمار الفرنسي، وأن دعوات بعض اللبنانيين إلى عودة الوصاية الفرنسية على بلادهم واحتفاءهم بزيارته، سببها حجم الألم والإنهاك والإحباط من فشل دولتهم الوطنية في توفير حياة كريمة لهم، بينما يرى محللون أن عقدة تراجع التأثير الفرنسي دوليا، والفشل في ملفات من أبرزها الملف الليبي، هو الذي دفع ماكرون إلى البحث عن نقاط رخوة في المنطقة العربية.
أحد المغردين العرب قال إن “ماكرون الذي فشل في مواجهة مظاهرة السترات الصفراء وسجل أرقاماً قياسية في تدني شعبية رئيس فرنسي ودعم مليشيات حفتر وجرائمها يعلقون به الأمل لإنقاذ لبنان من الفساد.. تباً لأنظمة جعلت من مثله معقد الآمال” فيما علق آخر بأن ماكرون لن يقدم للبنانيين شيئا، فرنسا ستختفي في الخمسين سنة القادمة وسترى مواطنيها عمالا في دول العالم، فرنسا البلد الوحيد الذي مازال إلى الآن يفكر بعقلية المستعمر يأخذ ولا يعطي، وإفريقيا بدأت تستقل عنها”.

فرنسا العجوز فقدت بريقها أوروبيا لمصلحة ألمانيا، ودوليا لم يعد لها وزن أمام السيطرة الأمريكية على القرار في العالم، أما اقتصاديا فقد أصبحت تعاني أزمات متلاحقة، لن تخرج منها طالما تتعامل مع مستعمراتها القديمة بعقلية مائة سنة إلى الوراء، وتصدر إلى العالم عملات متنوعة من الديمقراطية، بحسب البضائع المنهوبة منها وحجمها.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
صحافي تونسي حاصل على باكالوريوس آداب ولغة عربية
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة