أنهار الدم تحت الرمال.. وخطوط ماء قانية!

ظلال قديمة ..
ليبيا هي الدولة الوحيدة التي تستغل ماء الحوض النوبي الذي تترامى أطرافه بين ليبيا ومصر والسودان وتشاد، والذي تم اكتشاف مخزونه الهائل من المياه الجوفية في مناطق الجنوب الشرقي والجنوب الغربي في الصحراء الليبية سنة 1953 من قبل الشركات الغربية على هامش تنقيبها على النفط.

عام 1960 تم طرح فكرة مد المياه إلى الشمال عبر خطوط أنابيب، لكن لم تلتفت واحدة من الحكومات الملكية إلى المشروع لتكلفته المالية الباهظة، ولكن سنة 1983 قرر نظام القذافي السابق تنفيذ الفكرة القديمة وحفر 279 بئرا عملاقا في أماكن المياة الجوفية ومد خطوط الأنابيب مجموع طولها 4000 كيلومتر، من واحات الكفرة والسرير بالجنوب الشرقي ومن واحات فزان وجبل الحساونة في الجنوب الغربي على أن يتم تدعيم الخطوط مستقبلاً من غدامس والجغبوب، لغرض تغذية الساحل الليبي الشمالي بالمياه، وبدأ التنفيذ في 28 أغسطس 1984، عبر شركات ظاهرها كوري جنوبي وباطنها أمريكي أوروبي مثل براون آند بروت (KBR) التابعة لمؤسسة هاليبورتن للطاقة و(برايس برازر)* بتكلفة بلغت 30 مليارا حسب المعلن.

كان المشروع يهدف من خلال مراحله الأربع إلى مد شبكة من الأنابيب الضخمة يصل طولها إلى 4040 كيلومترا، لنقل ما يقرب من 5.5 مليون متر مكعب من الماء يوميا من الأحواض المائية الجوفية في الجنوب إلى المناطق الساحلية في الشمال.

شواطئ الكثيب..
الدكتورة “إيمان غنيم” وهي خبيرة استشعار عن بعد في الجامعات الأمريكية خلال فعاليات مؤتمر “مصر تستطيع بأبناء النيل” الذي عقد في فبراير 2018 الذي عقدته وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج بمدينة اﻷقصر قالت إن صحراء شمال إفريقيا والتي تدخل في نطاق حدود مصر مع ليبيا (الصحراء الغربية) تحوي كميات ضخمة من المياه.

وأكدت خبيرة الاستشعار عن بعد أن الحياة قديما كانت مختلفة عن الآن، فمنذ ملايين السنوات كانت الصحراء الغربية تحوي أنهارا عملاقة وبحيرات قديمة كبيرة، ومع التعرض لموجات جفاف منذ 6 آلاف عام، أدى إلى غمرها بالرمال، والدليل على ذلك وجود حفريات لأشخاص يسبحون في الصحراء وحفريات الزراف والفيلة.
وتابعت “غنيم”، على المقياس الجيولوجي منذ 3 آلاف عام، حدث بخر بنسبة كبيرة من هذه المياه، والجزء الآخر حدث له ترشيح للمياه لتغذية الآبار الجوفية، وقد وجد في منطقة الكفرة الليبية، التي تظهر أنها معدمة حاليا، إلا أن بها زراعات كبيرة وسط الصحراء.

وأردفت أنه قد ثبت علميا من خلال تقنية الاستشعار عن بعد، وجود نهر عظيم عرضه 8 كيلومترات لأحد فروعه، وهناك فروع يصل عرضها إلى 14 كيلومترا، ويعد نهر النيل بالنسبة لهذه الفروع “طفل صغير”.
وأشارت “غنيم” إلى أن العمل الآن يجري على عمل خرائط كبيرة للكشف عن وجود المياه في الصحراء، وقد كشفت هذه الخرائط في منطقة شرق العوينات المصرية، عن “نهر عظيم” يكفي استخدامات الشرب حتى 150 عاما، وتكفي مياهه زراعة 150 ألف فدان من الأراضي.

كما كشفت تقنية الاستشعار عن بعد، وجود “بحيرة عظيمة” أسفل جنوب دارفور بدولة السودان، أعلى الخزان الجوفي النوبي، تغذي هذه البحيرة 10 أنهار لها فروع في مصر، مشددة على ضرورة الحفر هناك، وأكدت أيضا اكتشاف وجود نهر عملاق تمت تسميته بـ”نهر الكفرة”، في ليبيا، يبلغ عرضه 16 مترا، وينتهي بدلتا، مما تم اكتشاف دلتا أخرى في مصر، وسميت بدلتا “الجلف الكبير”، غير دلتا الكفرة في ليبيا.

عطش مسلح ..

في مقالها (ليبيا: حرب الماء) تقول “إرينا موليتي” في إطار مناقشتها لهيمنة بعض المجموعات المسلحة على مياه النهر الصناعي واستخدامها، “إن الموارد الوطنية تمثل أحد الرهانات المركزية للصراع” ويوافقها “محمد السيد”، وهو طالب دكتوراه في المعهد الفرنسي للعلوم الجيوسياسية ومطلع على الشأن الليبي في نفس المقال، بأنه “منذ سنة 2011، وخاصة خلال فترات الحرب، كانت الموارد المائية والكهربائية تشكل أداة سياسية في ليبيا” أضيف سواء في الصدامات المحلية أو المعارك المدعومة إقليميا ودوليا كان الماء جزءا من اللعبة القذرة للبنادق المارقة، معظم من يناقشون احتمالات تدخل مصر عسكريا في ليبيا يبدؤون بموشح عن سد النهضة وأولويات النظام المصري بحل أزمتها مع إثيوبيا بدل الخوض في مستنقع ليبي قد لا تخرج منه بسهولة وقد يضر بأمنها القومي أكثر من أن يفيده، متجاهلين أن الماء الجافي الليبي وليس النفط وحده هو ما يسيل لعاب الجمهورية المحاذية وأن صراعا قديما عن واحة الجغبوب الليبية قد أثير حوله الكثير من اللغط بعد استيلاء السيسي على السلطة في مصر.

واحة للبيع..
الواحة الليبية “الجغبوب” التي تقع على بعد 125 كيلومترا غرب مدينة وواحة سيوه المصرية و300 كيلومتر تقريبا شرق طبرق والتي تتبعها إداريا وتبلغ مساحتها 56 كيلومترا مربعا ويقطنها 2700 نسمة بدا الصراع حولها بين مصر وإيطاليا سنة 1924 زمن الاحتلال الإيطالي لليبيا، ففي الحين الذي تؤكد فيه مصر أن الواحة تقع ضمن حدودها تقول إيطاليا إنهم ورثة الأتراك في ليبيا والجغبوب ضمن حدود ولاية طرابلس حتى تم التوصل إلى اتفاق “نجريتو زيور” والذي تم وفقه انسحاب الإيطاليين من واحة سيوه مقابل توقف مصر عن المطالبة بواحة الجغبوب وصادق البرلمان المصري على هذه الاتفاقية سنة 1932 ولكن القضية عادت إلى السطح من جديد في ديسمبر 2017 عندما رفع محام مصري يُدعى “علي أيوب” دعوى قضائية حملت رقم 11945 واختصمت كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية بصفتيهما، وذكرت أن الواحة جزء من الإقليم المصري، وأن جميع الخرائط والمستندات تدل على مصرية الواحة وطالب فيها بإلزام السلطات المصرية بمخاطبة ليبيا لاضم واحة الجغبوب الواقعة على الحدود المصرية الليبية، للأراضي المصرية، واتخاذ الدولة كل أوجه التقاضي لاسترداد الواحة.

واحة الجغبوب

توحدت حينها مواقف الحكومة الليبية ومواقف الحكومة الموازية الساخطة من الأمر، وأجلت القضية عدة مرات آخرها في 30 يونيو 2020 الماضي إلى 8 من أغسطس القادم بعد جلسة بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار “سامي عبدالحميد” نائب رئيس مجلس الدولة المصري.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
شاعر و كاتب و صحفي و مؤلف ليبي أسس و ساهم في تأسيس عدد من و الوحدات و الاقسام و الادارات…
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة