سرت.. معركة الجغرافيا السياسية وصراع الموارد

منذ ما يزيد عن العشرين يوما ترابط قوات الجيش الوطني على بعد 30 كيلومترا غرب مدينة سرت، وتؤكد جاهزيتها لأي معركة مقبلة في انتظار صدور الأوامر، وفيما يجري التحشيد حاليا على تخوم سرت باعتبارها مفتاح النصر، كما يجرى صراع ومفاوضات بين تركيا والروس من جهة وتركيا ومصر من جهة أخرى في ظل اعتبارها خطا أحمر من الطرفين، ما يفسر أهمية المدينة من حيث جغرافيتها السياسية.

بعد جيوسياسي
توقف العمليات العسكرية لقوات الوفاق على تخوم سرت منذ أكثر من 20 يوما، وتحرك مليشيات حفتر المحموم لعسكرتها وتدخل مرتزقة الفاغنر فيها بقوة الآونة الأخيرة، أعطى للمدينة بعدا جيوسياسيا مؤثرا في مستقبل الصراع السياسي محليا ودوليا، علم دراسة تأثير الأرض برها وبحرها وجوفها وموقعها على السياسة أو ما يسمى جيو سياسي أو جيو بوليتيك، قد يعطي لسرت هذا البعد باعتبارها مدينة تطل على البحر المتوسط، وذات امتداد صحراوي، وتتوسط أكبر مدينتين في ليبيا طرابلس وبنغازي، ومركز الترابط بين شرق البلاد وغربها وجنوبها، أرادها القذافي عاصمة للبلاد وبنى فيها مجمع قاعات واقادوقو التي استضافت قمما عربية وإفريقية مستفيدة من مطارها القرضابية.

الهلال النفطي
اقتصاديا لا يبعد السدرة أقرب ميناء نفطي عن سرت سوى 150 كلم إلى الشرق منها ويمثل الهلال النفطي عامة أكثر من 60% من صادرات ليبيا النفطية، وسيطرة قوات الوفاق على المدينة تجعل الطريق أمامها مفتوحة للسيطرة على الموانئ النفطية، فسرت كانت دوما القاعدة الخلفية لأي هجوم على الموانئ النفطية من الغرب، وهو ما يفسر استماتة مليشيات حفتر في الدفاع عنها للسيطرة الهلال النفطي، الذي لا يمثل ضرورة اقتصادية وحسب بل ضرورة سياسية، إذ ماتزال بعض الأصوات في برقة تنادي بالانفصال عن طرابلس، وسيطرة الجيش على منطقة الموانئ سيجعل هذا المشروع انتحاريا، وغير مغر لقبائل الشرق.

روسيا في ليبيا
ومن الأبعاد الاستراتيجية لمدينة سرت أنه لا يفصلها عن منطقة الجفرة التي ترغب روسيا في اتخاذ قاعدتها العسكرية مركزا دائما لوجودها في شمال إفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط، سوى طريق مفتوحة لا تتجاوز 300 كلم، وهو ما جعل الفاغنر ينسحبون إليها، وترسل موسكو إليها 14 طائرة من نوع ميغ 29 وسوخوي 24، بحسب الجيش الأمريكي، لتثبيت وجودها وسط البلاد، على غرار قاعدة حميميم الجوية غربي سوريا، كما تسعى روسيا إلى اتخاذ سرت قاعدة بحرية تهدد الناتو ردا على تهديده لها عبر الدرع الصاروخية قرب حدودها الغربية.

وعبر التاريخ مثلت المدن والمواقع الجغرافية رمزية للنصر أو الهزيمة وتحديد مستقبل الدول والأمم، والقادة العسكريين والسياسيين، وكذلك سرت مسقط رأس القذافي ومكان مقتله، جعلها خلال الحرب الباردة مع الأمريكان رمزا للتحدي تحت اسم “الرباط الأمامي” و”خليج التحدي”، ومهرها ثوار البنيان المرصوص بأكثر من 700 شهيد ومعركة القرضابية ضد الطليان إحدى رموزها.

Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة