هل تذكرون ما قلت لكم؟!

من على هذ المنبر، وفي التغطية الخاصة بالعدوان على طرابلس، وبعد فقط شهر من شن الهجوم، طالبتُ “عقلاء برقة” بفعل ما بوسعهم لوقف هذه الحرب، وقلت في الفقرة التي جعلت منها قناة ليبيا الأحرار إعلانا يتكرر في اليوم عدة مرات ولفترة تجاوزت الشهرين أن الحرب ستنتهي وسيضطر حفتر إلى القبول بالحل السياسي وسيجلس على طاولة المفاوضات، ولكن بعد “خراب مالطا”، وبعد أن تخسر برقة الكثير من أبنائها، ليعود عراب الحرب إلى نقطة الصفر، وإلى المربع الأول.

علق على ندائي يومها أحد ضيوف الحلقة بقوله “برقة ما فيهش عقلاء”، فلم أعر قوله اهتماما واستمريت في التحذير من العدوان والتخويف من أثر الحرب، وها هي الحقيقة قد تجلت، ووقع ما حذرنا منه، وذهبت أرواح الآلاف من القتلى والجرحى هباء، وعقلاء برقة لم يهبوا هبة صادقة ولم يقفوا وقفة تاريخية ليوقفوا حمام الدم وآلة الدمار في أيامها الأولى.

اطلعت منذ يومين على قائمة تضم ما يقرب من 700 جندي ومتطوع في قوات حفتر قتلوا خلال الأسابيع الأخيرة من العدوان على طرابلس، وبالتحديد ما بين 1 أبريل 2020م إلى 11 يونيو 2020م، من بين هؤلاء نحو 400 من المنطقة الشرقية، أغلبهم في ريعان الشباب، قيل لهم أنهم يصنعون مجدا ويسطرون تاريخا، وأن ساعة الصفر أزفت، وأنهم في مهمة عظيمة وهي استئصال شأفة الإرهابيين والمليشياويين، وأنه لا رجعة في ذلك، فلم تمض أسابيع قليلة حتى رجعت القيادة “في كلامها”، ورفعت الراية البيضاء معلنة من القاهرة عن العزم على تحقيق السلام عبر الحوار والمفاوضات!!

لقد خسرت مدن الشرق الآلاف من شبابها في مغامرة انتهت من حيث بدأت، وأضيف إلى قوائم الثكالى الأرامل والأيتام ألوف جديدة، والنتيجة هي تكيف مع الواقع بما يحقق مصالح العراب، والخطير في الأمر أن الدرس لم يُفهم والعبرة لم تُؤخذ، ولعمري لو قرر القائد الشروع في مغامرة أخرى فسيقع في الفخ الكثيرون ليتكرر سيناريو الآلام وتتراكم المآسي وتتعاظم المحنة.

أنا أعتبر أن الشجاعة اليوم في وقفة المراجعة لتقييم الحرب: دوافعها، وأدواتها، وخطابها التضليلي، ونتائجها الكارثية، وما ستؤول إليه الأوضاع بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وليسأل من ناصروا العدوان أنفسهم: هل نحن أفضل حالا بعد الحرب، وإذا كانت الإجابة لا، وهي بالقطع لا إلا على المكابر، أفلا يتطلب التقييم منا المجاهرة لتتحقق العبرة ونعي الدرس فلا نتورط في مغامرات جديدة حصادها زهق أرواح ودمار مقدرات وقطيعة للرحم وتمزيق للنسيج الاجتماعي والارتماء في أحضان الأجنبي ليصبحوا هم من يقرر مصير البلاد والعباد.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Author
مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية.. بكالوريوس اقتصاد وماجستير علاقات دولية.. صدر له عدة كتب…
Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة