برقة من عاصمة عسكرية إلى إمبراطورية اقتصادية لحفتر

لم يكن الحديث عن فساد جيش حفتر، محض افتراء سواء تعلق الأمر بسلوكه المليشياوي أو تورطه في بناء إمبراطورية اقتصادية تحت المظلة العسكرية المضللة، هذا التوصيف ليس محليا بدوافع الخلافات المعلومة مع حفتر، بل هو لتقارير مراكز بحث دولية وصحف عالمية محترفة، كان آخرها تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية الأربعاء.

الافتراس الاقتصادي والمالي
أكدت صحيفة لوموند الفرنسية أن خليفة حفتر سيطر على اقتصاد المنطقة الشرقية التي سمتها قورينا، عن طريق تهريب المهاجرين وبيع النفط بطرق غير شرعية وتصدير الخردة والاقتراض، وأضافت الصحيفة نقلا عن مركز نوريا للأبحاث والدراسات الفرنسي أن حفتر سلط ما يعرف باستراتيجيات الافتراس الاقتصادي والمالي على المناطق التي يسيطر عليها للحصول على مصادر جديدة للتمويل، وجاء في مقال لمراسلها في تونس Frédéric Bobin تحت عنوان “كيف سيطر الماريشال حفتر على اقتصاد قورينا في ليبيا” ويقصد المنطقة الشرقية، أن حفتر تمكن في غفلة من عيون العالم المسلطة على طرابلس، من تكوين إمبراطورية اقتصادية حقيقية في المناطق التي يسيطر عليها، اعتمادا على سلطته العسكرية المهيمنة.

برقة.. من ثكنة عسكرية إلى ملكية خاصة
وقالت الصحيفة إنه رغم السياق الاقتصادي والسياسي بوجود حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في طرابلس وكذلك المؤسستين الاقتصاديتين الرئيسيتين المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، ورغم فشل الحكومة المؤقتة في بنغازي في اختراق تينك المؤسستين بموازيتين أسستهما في المنطقة الشرقية ولم يتعامل معهما المجتمع الدولي، إلا أن قوات حفتر تمكنت من تحويل عاصمته العسكرية تدريجيا إلى عاصمة اقتصادية خاصة بعد “تحرير” بنغازي في صيف 2017، وبفضل دعم الرعاة الإقليميين، مصر والإمارات، والسعودية، بتعلة محاربة الإرهاب، وباستخدام ما سماه تقرير لمركز الأبحاث نوريا الفرنسي صدر أواخر يونيو باستراتيجيات الافتراس الاقتصادي والمالي على المناطق الخاضعة لوصايته، من أجل الحصول على مصادر جديدة للدخل.

تجارة الخردة
وقالت صحيفة لوموند استنادا لتقرير مركز نوريا، إن من مصادر الدخل المهمة للجيش تصدير الخردة المعاد تدويرها، والمحظور رسميا في ليبيا، ولكن الحكومة المؤقتة قد استثنت “اللجنة العسكرية”، مظلة جيش حفتر الاقتصادية، من هذا الحظر بناء على طلب صريح من حفتر. ويستفيد الجيش مما يصل إلى 45٪ من الإيرادات الناتجة عن هذه الخردة الحديدية المصدرة، وطمعا في هذه السوق المربحة استخدمت الجماعات المسلحة المرتبطة بالجيش، البنية التحتية العامة للدولة ملكية خاصة لتفكيك المعدن وبيعه لتجار الجملة.

تهريب النفط المكرر
وأضافت لوموند أن من مصادر الدخل الأخرى، تهريب النفط المكرر – المدعوم – عن طريق البحر، ومن المفارقات حسب الصحيفة أنه نشاط غير قانوني تطور في المنطقة الشرقية، بفضل التدابير المتخذة في 2018 لكبحه في طرابلس، كما يتم تهريب النفط عن طريق البر إلى تشاد بواسطة الجيش، إضافة إلى الحماية التي تقدمها قوات حفتر لميليشيات اللواء أحمد الشريف التي تحرس حقل السرير النفطي في حوض سرت، ومتخصصة في التصدير غير المشروع للنفط إلى الدول المجاورة، الفاعل الرئيسي للاتجار بالبشر.
وكانت المؤسسة الوطنية قد أكدت على لسان رئيسها مصطفى صنع الله قبل نحو شهر، تعاقد الحكومة المؤقتة مع شركات مصرية وإماراتية على سعر 55 دولارا للبرميل، كما لم يخف حفتر في اجتماعه مع الرئيس الفرنسي في مايو الماضي مطالبته بحصة من عوائد النفط.

المهاجرون مصدر آخر للمال
وختمت صحيفة لوموند بأن الجيش يمارس شكلا من أشكال الإشراف على الهجرة غير الشرعية،وأن تورط حفتر في هذا النوع من الشبكات أمر غير متوقع إذ يقدم نفسه لفرنسا على أنه حصن ضد خطر الهجرة، غير أن الواقع يشير إلى أن الجيش الذي يسيطر على طرق الهجرة من القرن الأفريقي إلى الجنوب الليبي، بصفة مباشرة أو عبر مليشيات موالية له، يستفيد من هذا النشاط وقد أصبح هذا التقاطع بين حفتر وشبكات المتاجرين بالبشر، أكثر وضوحا من خلال مشاركة قادتها وفقا للتقرير، إلى جانب قوات حفتر في حرب طرابلس.

المصارف والسندات.. مصادر للتمويل
وأكدت لوموند في تقارير سابقة بأن حفتر يضغط على النظام المصرفي الخاص للاقتراض، ما أدى إلى تراكم الديون بشكل خطير، وكان لوكالة رويترز تقرير نشرته أواخر أبريل الماضي كشف أن تمويل حفتر يعتمد على الاقتراض من المصارف حتى وصل الدين العام في المنطقة الشرقية إلى قرابة 35 مليار دينار، إلى جانب استعماله سندات غير رسمية وأموال نقدية مطبوعة في روسيا.

ابتزاز الحكومة المؤقتة لتمويل الحرب
وتذكر رويترز أن حفتر يجد صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لاستكمال عمليته العسكرية، وأنه حمل الحكومة المؤقتة التزامات مالية كبيرة تعد بعشرات المليارات من الدينارات، ناقلة عن مصادر عسكرية تأكيدها لجوءه إلى تجار لاستيراد مركبات وعتاد، إلى جانب سلطة استثمار عسكرية أنشأها مجلس النواب، وهي تمنح قوات حفتر السيطرة على قطاعات من الاقتصاد كالمعادن والخردة.

Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة