صراع السرديات.. كيف فشلت قوات حفتر في تبرير الحرب على طرابلس.

لكل حرب مبرراتها.. تحرير طرابلس أم حرب على الإرهاب؟

إذا قررت خوضَ حرب عليك أن توجد مبرراتها.. تلك الأسباب التي تدفع المحاربين إلى القتال، وتجعل لصراعهم معنىً، ولقتالهم غايةً، ولموتهم قيمة.

هكذا يبدو مسار الحرب على طرابلس في كواليس الإعلام وغرف العمليات، فالمتتبع لبدايات الهجوم على عاصمة البلاد وللتغطية الإعلامية له من الوسائل الموالية لقوات حفتر أو المقربة من قيادته سيلحظ مساراً متغيراً، وأساليب متقلبة في تبرير تلك الحرب، التي أدخلت المرحلة الانتقالية في حالة تتراوح بين اللامتوقع واللايقين.

في بداية الحرب على طرابلس وبينما كان العالم ينتظر انعقاد المؤتمر الجامع لرأب الصدع بين الفرقاء الليبيين، جاء خطاب قائد عملية الكرامة خليفة حفتر يعلن انطلاق عملياته الحربية ويبرر حربه بأنها حرب على المليشيات، ففي بيانه بتاريخ الرابع من أبريل كان حديث حفتر عن حرب على من يحمل السلاح خارج دائرة نفوذه، ووصفهم بقوله “من ظلم نفسه”، وهذا ذات الخطاب الذي تلقفته سريعا قنوات ومواقع وصحف إلكترونية داعمة للحرب على طرابلس، فأضحت العاصمة “أسيرة” وحكومة الوفاق المعترف بها دوليا “مختطفة”، ورددت تلك القنوات سرديتها عن “حكم المليشيات” في خطابها الموجه للداخل والخارج، فكان شعار الحرب على “المليشيات التي تختطف العاصمة” حسب تعبير رئيس البرلمان عقيلة صالح هو المبرر للحرب، رغم أن صالح نفسه كان بدأ الإعداد لاختيار لجنة تمثل مجلس النواب للمشاركة في الملتقى الجامع والجلوس مع من وصفهم بالمليشيات للخروج من مأزق الانقسام المؤسساتي، وصراع الشرعيات.

خطاب قائد عملية الكرامة خليفة حفتر يعلن انطلاق عملياته الحربية

يتغير الخطاب ليتواءم مع مجريات الحرب على الأرض

استمرت الحرب واختل توازن القوى لصالح قوات الجيش التابع لحكومة الوفاق، وبدأ السرد يتغير رويداً رويداً نحو الإرهاب، ففي التاسع من أبريل بدأ الحديث عن أن طرابلس صارت مركزاً للقاعدة، بل وصل الأمر لاتهام رئيس المجلس الرئاسي بالتعاون مع التنظمات الإرهابية، وبعدها بأيام بدأ الحديث يتزايد عن أعداد الإرهابيين في طرابلس وفق تصريح أدلى به المتحدث الرسمي باسم قوات الكرامة أحمد المسماري، فقد تحدث للمرة الأولى عن أن عدد الإرهارببين الأجانب يتزايد في طرابلس، وأن الجيش الذي يقوده خليفة حفتر مستمر في حربه على الإرهاب، وأسهب في تقديم الدلائل على أن حفتر يحارب الإرهابيين في طرابلس.

يمكن بسولة تتبع كيف انتشر هذا المبرر في عدد من الصحف والقنوات، خاصة العربية منها، فضلاً عن قنوات ليبية تبدل فيها الخطاب تماماً نحو الإرهاب عوضا عن التحرير، وهكذا يبدو تغير الخطاب أمر اختلق ليتواءم مع مجريات الحرب على الأرض، إذا بدا واضحاً أن مبرر وجود مليشيات وفساد في طرابلس غير كافي لتبرير الهجوم على العاصمة، خاصة وأن الشرق ليبيا ليس بأسعد حالاً من غربها.

سردية قوات حفتر تقابلها سردية أخرى لحكومة الوفاق

التقرير الأبرز في هذا السياق كان من موقع (صحيفة المرصد الليبية) الذي حاول إثبات وجود مطلوبين من الإرهابيين في صفوف المقاتلين ضمن قوات حكومة الوفاق، ويبدو أن هذا الكشف المبين لم يجد صداه هو الآخر، فقد ذكر الموقع عدة أسماء تقاتل في صفوف حكومة الوفاق، دون أن يقدم أيا من البراهين أو الشواهد عن مسؤولية حكومة الوفاق عن انخراط أولئك الأشخاص في القتال ضد حفتر وقواته، أو عن علاقتهم بالجماعات الإرهابية التي يبدو ظاهر التقرير متحدثا عنها، وعوضا عن ذلك نقلت الصحيفة عن الباحث في مؤسسة كارنيجي فريدريك وهري قوله إن: “اعتبار حفتر هذه المعركة حربا ضد الإرهاب كانت نبؤة وتحققت” والواقع أن الأمر لا يتعلق بنبوءة أكثر من كونه البحث المضني عن سبب لهذه الحرب.

هذا التحول التقطته صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر في 12/4 التي كتب أحد صحفييها محللا الأحداث في ليبيا بالقول إن مجرمين وإرهابيين يحاربون في طرابلس وأن هذا قد يعقد الحرب، غير أن سردية قوات حفتر التي نقلتها نيويورك تايمز جاءت تقابلها سردية أخرى لقوات الوفاق ، فبمتابعة تصريحات وزير الداخلية فتحي باشاغا، وكذلك رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج تبدو خشية مسؤولي الوفاق واضحة من أن هذه الحرب قد تفرز بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية، وكذلك فإن ادعاء أن القوات التي تحارب تحت قيادة الوفاق تضم إرهابيين تنافي الجهد الدولي الذي بذلته حكومة الوفاق في ربط المنظومات المحلية بالمنظومات الدولية، وتوفير كافة المعلومات عن المقاتلين من الإرهابيين في المنطقة الغربية، خاصة بعد حرب سرت التي قادها المجلس الرئاسي للقضاء على تنظيم الدولة، تلك الحرب التي شاركت فيها قوى دولية على الأرض وتعاونت فيها حكومة الوفاق مع تلك القوى عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً.

حكومة الوفاق واجهت انتقادات بالتوسع في حربها على الإرهاب

نيويورك تايمز ذكرت أن هذه الحرب قد تفرز حالة من التوحش توفر بيئة جاذبة للجماعات الإرهابية، فلقد رصد موقع ( LIBYA IN ISIS ) وتعني تنظيم الدولة في ليبيا كافة تحركات التنظيم على مدى سنوات وبشكل يومي، ولم يسجل الموقع أي خروقات أو تهاون من وزارة الداخلية الليبية في هذا الشأن، بل إن النقد توجه لتلك الحكومة في التوسع في هذا المجال، كما أن المعلومات التي وفرتها حكومة السراج للحرب الدولية على الإرهاب كانت وبشكل لافت من الأهمية بمكان جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تدعو وزير الداخلية فتحي باشاغا إلى واشنطن لتعزيز سبل التعاون بين الطرفين.


إن هذا الجدل ما هو إلا صراع سرديات، فعندما فشل مسوغ المليشيات في تبرير إفساد مشروع بناء الدولة الليبية، وإدخال البلاد في حرب أهلية طويلة الأمد، بدأ البحث عن سردية بديلة فكان إلارهاب، وحشدت لها كافة المعلومات

إن هذا الجدل ما هو إلا صراع سرديات، فعندما فشل مسوغ المليشيات في تبرير إفساد مشروع بناء الدولة الليبية، وإدخال البلاد في حرب أهلية طويلة الأمد، بدأ البحث عن سردية بديلة فكان إلارهاب، وحشدت لها كافة المعلومات، ونسي الطرف الذي ارتضى تلك السردية أن حكومة الوفاق ليست جماعة أو تنظيما، بل هي حكومة لدولة تعيش في القرن الحادي والعشرين، وأن تدفق المعلومات هو أساس قبول هذه الحكومات، وأن الاعتراف الدولي يعني فيما يعني الدخول في منظومات دولية لمحاربة الإرهاب، وأن كافة المعلومات تؤخذ بالتنسيق بين الحكومات لتتبع تحرك عناصر الجماعات المتطرفة، وأن بناء مؤسسات الدولة هو الطريق للقضاء على الإرهاب، أما الحرب وعشق القوة والحروب والنزاع ما هو إلا سبيل للتوحش الذي سينتهي بليبيا للفشل والإرهاب معاَ.

Total
0
مشاركة
مقالات ذات صلة